لقد حَفَرَ الزياتُ بالغدر حُفرَةً ... فأُلقِيَ فيها بالخيانةِ والغدرِ

قال: فلما صارت القصيدة إلى ابن أبي دوَاد ذكرها للمتوكل، وأنشده البيتين فأمره بإحضاره، فقال: هو باليمامة، كان الواثق نفاه لمودَّته لأمير المؤمنين. قال: يُحمَل، قال: عليه دين، قال: كَمْ هو؟ قال: ستة آلاف دينار، قال: يُعطاها، فأعطي وحمُل من اليمامة، فصار إلى سامراء، وامتدح المتوكل بقصيدة يقول فيها:

رَحَلَ الشبابُ وليتَهُ لم يَرحَلِ ... والشيبُ حل ولَيْتَهُ لم يَحلُلِ

فلما صار إلى هذين البيتين من القصيدة:

كانتْ خلافة جعفر كنبوَّةٍ ... جاءَتْ بلَا طلَبٍ ولا بِتَنَحُّلِ

وهبَ الإِلهُ له الخلافةَ مثل ما ... وهَبَ النبوَّةَ للنبيِّ المُرْسَلِ

أمر له بخمسين ألف درهم.

وذكر عن أبي يحيى بن مروان بن محمد الشنِّي الكلبيِّ، قال: أخبرني أبو السمط مَرْوَان بن أبي الجَنوب، قال: لمَّا صرتُ إلى أمير المؤمنين المتوكل على الله مدحت ولاة العهود، وأنشدته:

سقى الله نجْدًا والسلامُ على نجْدِ ... ويا حبَّذا نَجْدٌ على النأيِ والبُعْدِ!

نَظَرْتُ إلى نَجْدٍ وبَغدادُ دُونَهَا ... لعَلِّي أرى نَجْدًا وهَيْهاتَ مِنْ نَجْدِ!

ونجدٌ بها قومٌ هواهم زيارتِي ... وَلَا شَيءَ أَحْلَى من زيارتهم عِنْدِي

قال: فلمَّا استتممت إنشادها، أمر لي بعشرين ومائة ألف درهم وخمسين ثوبًا وثلاثة من الظَّهر: فرس وبغلة وحمار، فما برحت حتى قلت في شكره:

تخيَّرَ ربُ الناسِ للناسِ جعفرًا ... فَملَّكَهُ أَمرَ العبادِ تَخَسُّرا

قال: فلما صرتُ إلى هذا البيت:

فأمسِكْ نَدَى كَفَّيْكَ عنِّي ولا تَزِدْ ... فقد خِفت أَنْ أَطغَى وأَنْ أَتَجبَّرَا

قال: لا والله، لا أمسك حتى أعرِّفك بجودي، ولا برحتَ حتى تسأل حاجة؛ قلت: يا أميرَ المؤمنين، الضيعة التي أمرت بإقطاعي إياها باليمامة؛ ذكر ابن المدبر أنها وقْف من المعتصم على ولده، ولا يجوز إقطاعها. قال: فإني أقبِّلكها بدرهم في السنة مائة سنة، قلت: لا يحسن يا أمير المؤمنين أن يؤدِّي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015