درهم في الديوان، قال: فقال ابن المدبر: فألف درهم؟ فقلت: نعم، فأنفذها لي ولعقبي، ثمَّ قال: ليس هذه حاجة، هذه قبالة، قلت: فضياعي التي كانت لي كان الواثق أمر بإقطاعي إياها، فنفاني ابن الزيات، وحال بيني وبينها، فتُنفذها لي. فأمر بإنفاذها بمائة درهم في السنة وهي السُّيُوح.
وذُكر عن أبي حَشيشة أنه كان يقول: كان المأمون يقول: إن الخليفة بعدي في إسمه عين، فكان يُظَنُّ أنه العباس ابنه فكان المعتصم، وكان يقول: وبعده هاء، فيظنُّ أنه هارون، كان الواثق؛ وكان يقول: وبعده أصفر الساقين؛ فكان يبطنُ أنه أبو الحائز العباس فكان المتوكل ذلك، فلقد رأيت إذا جلس على السرير يكشف ساقيه، فكانا أصفرين؛ كأنما صُبِغا بزعفران.
وذُكر عن يحيى بن أكثم، أنه قال: حضرتُ المتوكل، فجرى بيني وبينه ذكر المأمون وكتبه إلى الحسن بن سهل، فقلت بتفضيله وتقريضه ووصف محاسِنه وعلمه ومعرفته ونباهته قولًا كثيرًا لم يقع بموافقة بعض من حضر فقال المتوكل: كيف كان يقول في القرآن؟ قلت: كان يقول: ما مع القرآن حاجة إلى علم فرض، ولا مع سنة الرسول - صلي الله عليه وسلم - وَحشة إلى فعل أحد؛ ولا مع البيان والإفهام حجَّة للتعلم، ولا بعد الجحود للبرهان والحق إلا السيف لظهور الحجة. فقال له المتوكل: لم أَرِدْ منك ما ذهبت إليه من هذا المعنى، قال له يحيى: القول بالمحاسن في المغيب فريضة على ذي نعمة، قال: فما كان يقول خلال حديثه؛ فإن المعتصم بالله يرحمه الله كان يقوله، وقد أنسيته؟ فقال: كان: اللهم إني أحمَدك على النعم التي لا يحصيها أحدٌ غيرُك، وأستغفرك من الذنوب التي لا يحيط بها إلا عفوك. قال: فما كان يقول إذا استحسن شيئًا أو بُشِّرَ بشيء، فقد كان المعتصم بالله أمر عليَّ بن يَزْداد أن يكتبه لنا، فكتبه فعلمناه ثم أنسيناه؟ قال: كان يقول: إنَّ ذِكْرَ آلاء الله ونشرَها وتعدادَ نِعمَهِ والحديث بها فرض من الله على أهلها، وطاعة لأمره فيها. وشكرٌ له عليها؛ فالحمد لله العظيم الآلاء، السابغ النَّعماء بما هو أهلُه، ومستوجبه من محامده القاضية حقه، البالغة شُكرَه، الموجبة مزيدَه على ما لا يحصيه تعدادُنا، ولا يحيط به ذكرُنا، من ترادُفِ مِنَنِه، وتتابُعِ فضله، ودوام طَوْله، حَمْد من يعلم أن ذلك منه، والشكر له عليه. فقال