أمَّا بعد؛ فأما ما ذكرتم مما خصَّصنا الله به من فضل؛ فإن الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم؛ فلله الحمد! وأمَّا ما ذكرتم من مصيبتنا بحُسين؛ فإنّ ذلك كان في الذكر الحكيم وهي ملحمة كُتبت عليه، وكرامة أهداها الله له، رفع بما كان منها درجات قوم عنده، ووضع بها آخرين، وكان أمر الله مفعولا، وكان أمر الله قدرًا مقدورًا.
وأمَّا ما ذكرتم من دعاء من دعاكم إلى الطَّلب بدمائنا؛ فوالله لوددت أنّ الله انتصر لنا من عدوّنا بمن شاء من خلقه؛ أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم.
قال: فخرجنا من عنده، ونحن نقول: قد أذن لنا؛ قد قال: لوددت أنّ الله انتصر لنا من عدوّنا بمن شاء من خلْقه ولو كره لقال: لا تفعلوا.
قال: فجئنا وأناس من الشيعة ينتظرون مقدمنا ممَّن كنَّا قد أعلمناه بمخرَجنا وأطلعناه على ذات أنفسنا ممن كان على رأينا من إخواننا؛ وقد كان بلغ المختارَ مخرجنا، فشقّ ذلك عليه، وخشي أن نأتيَه بأمر يُخذّل الشيعة عنه؛ فكان قد أرادهم على أن ينهض بهم قبل قدومنا؛ فلم يتهيَّأ ذلك له؛ فكان المختار يقول: إن نُفيرًا منكم ارتابوا وتحَيَّروا وخابوا؛ فإن هم أصابوا أقبلوا وأنابوا؛ وإن هم كبوا وهابوا، واعترضوا وانجابوا، فقد ثَبروا وخابوا؛ فلم يكن إلا شهرًا وزيادة شي؛ حتى أقبل القوم على رواحلهم؛ حتى دخلوا على المختار قبل دخولهم إلى رحالهم، فقال لهم: ما وراءكم؟ فقد فُتِنْتُم وارتبتم.
فقالوا له: قد أمِرنا بنصرتك. فقال: الله أكبر! أنا أبو إسحاق، اجمعوا إليّ الشيعة، فجمع له منهم مَنْ كان منه قريبًا فقال: يا معشرَ الشيعة؛ إنَّ نفرًا منكم أحبّوا أن يعلموا مصداق ما جئت به، فرحلوا إلى إمام الهدى، والنجيب المرتضى ابن خير من طشى ومشى؛ حاشا النبي المجتبى؛ فسألوه عمَّا قدمت به عليكم، فنبَّأهم أني وزيره وظهيره، ورسوله وخليله؛ وأمركم باتباعي وطاعتي فيما دعوتكم إليه من قتال المحلِّين، والطلب بدماء أهل بيت نبيّكم المصطفيْن.
فقام عبد الرحمن بن شريح، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أمّا بعد يا معشر الشيعة؛ فإنا قد كنا أحببنا أن نستثبت لأنفسنا خاصة، ولجميع إخواننا عامة؛ فقدمنا على المهديّ بن عليّ، فسألناه عن حربنا هذه، وعمَّا دعانا إليه