يثِب بالكوفة في المحرّم؛ فجاء رجل من أصحابه من شِبَام - وكان عظيمَ الشرف يقال له عبد الرحمن بن شريح - فلقي سعيد بن منقذ الثَّوريّ وسعر ابن أبي سِعر الحنفيّ والأسود بن جَراد الكنديّ وقدامة بن مالك الجشميّ؛ فاجتمعوا في منزل سعْر الحنفيّ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أمّا بعد؛ فإنَّ المختار يريد أن يخرج بنا، وقد بايعناه ولا ندري أرسله إلينا ابن الحنفية أم لا؛ فانهضوا بنا إلى ابن الحنفيَّة فلنخبره بما قدم علينا به وبما دَعانا إليه؛ فإنْ رخّص لنا في اتّباعه اتّبعناه؛ وإن نهانا عنه اجتنبناه؛ فوالله ما ينبغي أن يكون شيءٌ من أمر الدنيا آثرَ عندنا من سلامة ديننا، فقالوا له: أرشدك الله! فقد أصبت ووفِّقت؛ اخرج بنا إذا شئت.
فأجمع رأيهم على أن يخرجوا من أيَّامهم فخرجوا، فلحقوا بابن الحنفيَّة؛ وكان إمامَهم عبدُ الرحمن بن شريح، فلمَّا قدموا عليه سألهم عن حال النَّاس فخبَّروه عن حالهم وما هم عليه (?). (6/ 12 - 13).
قال أبو مخنف: فحدّثني خليفة بن ورقاء، عن الأسود بن جراد الكنديّ قال: قلنا لابن الحنفيَّة، إنّ لنا إليك حاجةً، قال: فسرّ هي أم علانية؟ قال: قلنا: لا؛ بل سرّ، قال: فرويدًا إذًا؛ قال: فمكث قليلًا، ثم تنحَّى جانبًا فدعانا فقمنا إليه، فبدأ عبد الرحمن بن شُريح، فتكلَّم فحمِد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد؛ فإنكم أهل بيت خصَّكم الله بالفضيلة، وشرّفكم بالنبوّة، وعظَّم حقكم على هذه الأمة؛ فلا يجهل حقكم إلا مغبون الرأي، مخسوس النصيب؛ قد أصِبتم بحسين رحمة الله عليه، عظُمت مصيبة اختُصصتم بها، بعد ما عم بها المسلمون، وقد قدم علينا المختار بن أبي عبيد يزعم لنا أنه قد جاءنا من تِلقائكم، وقد دعانا إلى كتاب الله وسنة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -؛ والطلب بدماء أهل البيت، والدفع عن الضعفاء؛ فبايعناه على ذلك، ثم إنَّا رأينا أن نأتِيَك فنذكر لك ما دعانا إليه، وندبنا له؛ فإن أمرتَنا باتباعه اتبعناه، وإن نهيتنا عنه اجتنبناه.
ثم تكلمنا واحدًا واحدًا بنحو مما تكلم به صاحبنا؛ وهو يسمع، حتى إذا فرغنا حمِد الله وأثنى عليه، وصلَّى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: