فاحبسْه في سجنك حتى يستقيم أمر الناس؛ فإن عيوني قد أتتني فخبَّرتْني أنّ أمره قد استجمع له؛ وكأنه قد وثب بالمِصْر، قال: فبعث إليه ابن مُطيع زائدةَ بن قُدامة وحُسين بن عبد الله البُرْسُميّ من هَمْدان، فدخلا عليه، فقالا: أجب الأمير، فدعا بثيابه وأمر بإسراج دابَّته، وتحشحش للذهاب معهما؛ فلما رأى زائدةُ بن قدامة ذلك قرأ قول الله تبارك وتعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، ففهمها المختار، فجلس ثم ألقى ثيابه عنه، ثمّ قال: ألقوا عليّ القطيفة؛ ما أراني إلّا قد وُعِكت، إني لأجد قفقفةً شديدة، ثم تمثَّل قول عبد العُزَّى بن صُهَل الأزديّ:

إذا ما مَعْشَرٌ تَركُوا نَدَاهُمْ ... ولمْ يأْتوا الكريهَة لم يُهَابُوا

ارجعا إلى ابن مطيع، فأعلماه حالي التي أنا عليها، فقال له زائدة بن قدامة: أمَّا أنا ففاعل، [فقال: ] وأنت يا أخا همْدان فاعذرني عنده فإنه خير لك (?).

(6/ 10 - 12).

قال أبو مخنف: فحدثني إسماعيل بن نُعيم الهمْداني عن حسين بن عبد الله، قال: قلت في نفسي: والله إن أنا لم أُبَلِّغ عن هذا ما يُرضيه ما أنا بآمن مِن أن يظهر غدًا فيهلكني، قال: فقلت له: نعم، أنا أضع عند ابن مطيع عذرك، وأبلغه كلّ ما تحبّ؛ فخرجنا من عنده، فإذا أصحابه على بابه، وفي داره منهم جماعة كثيرة. قال: فأقبلنا نحو ابن مطيع، فقلت لزائدة بن قدامة: أما إني قد فهمت قولك حين قرأتَ تلك الآية؛ وعلمت ما أردتَ بها، وقد علمت أنها هي ثَبّطته عن الخروج معنا بعد ما كان قد لبس ثيابه، وأسرج دابّته، وعلمتُ حين تمثَّل البيت الذي تمثَّل أنما أراد يخبرك أنه قد فهم عنك ما أردت أن تُفهمه، وأنه لن يأتيه. قال: فجاحدني أن يكون أراد شيئًا من ذلك، فقلت له: لا تحلف؛ فوالله ما كنت لأبلغَ عنك ولا عنه شيئًا تكرهانه؛ ولقد علمت أنَّك مشفق عليه، تجد له ما يجد المرء لابن عمه، فأقبلنا إلى ابن مطيع، فأخبرناه بعلَّته وشكواه؛ فصدَّقَنا ولها عنه.

قال: وبعث المختار إلى أصحابه؛ فأخذ يجمعهم في الدُّور حوله وأراد أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015