[بن أبي صُفرة]، فخرج أشرافُ الناس، فكلَّموه أن يتولّى قتالَ الخوارج، فقال: لا أفعل، هذا عهدُ أميرِ المؤمنين معي على خُراسان، فلم أكن لأدَعَ عهدَه وأمره، فدعاه ابن أبي ربيعة فكلّمه في ذلك، فقال له مثل ذلك، فاتفق رأي ابن أبي ربيعة ورأيُ أهل البصرة على أن كتبوا على لسان ابن الزبير:
بسم الله الرّحمن الرحيم، من عبد الله بن الزُّبير إلى المهلب بن أبي صُفرة، سلامٌ عليك، فإني أحمد إليك اللهَ الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإنّ الحارث بن عبد الله كتب إليّ أنّ الأزارقة المارِقَة أصابوا جُنْدًا للمسلمين كان عددُهم كثيرًا، وأشرافهم كثيرًا، وذكر أنهم قد أقبلوا نحو البَصرة، وقد كنتُ وجّهتُك إلى خُراسانَ، وكتبت لك عليها عهدًا، وقد رأيتُ حيث ذكر هذه الخوارج أن تكون أنتَ تلي قتالَهم، فقد رجوتُ أن يكون ميمونًا طائرُك، مباركًا على أهل مِصرِك، والأجر في ذلك أفضل من المسير إلى خُراسان، فسرْ إليهم راشدًا، فقاتلْ عدوّ الله وعدوّك، ودافع عن حقك وحقوقِ أهل مصرك، فإنه لن يفوتَك من سلطاننا خُراسانُ ولا غيرُ خراسان إن شاء الله، والسلام عليك ورحمة الله.
فأتيَ بذلك الكتاب، فلما قرأه قال: فإني والله لا أسير إليهم إلا أن تجعلوا لي ما غلبتُ عليه، وتُعطوني من بيت المال ما أقوِّي به مَن معي، وأنتخب من فُرسان الناس ووجوههم وذَوِي الشرف مَن أحببت؛ فقال جميعُ أهل البصرة: ذلك لك؛ قال: فاكتبوا لي على الأخماس بذلك كتابًا ففعلوا، إلا ما كان من مالك بن مسْمَع وطائفة من بكر بن وائل، فاضطغَنَها عليهم المهلَّب، وقال الأحنف وعبيد الله بن زياد بن ظَبيان وأشراف أهل البصرة للمهلّب: وما عليك ألّا يَكتُب لك مالك بن مسمع ولا من تابعه من أصحابه إذا أعطاكَ الذي أردتَ من ذلك جميع أهل البصرة! ويستطيع مالك خلاف جماعة الناس أوله ذلك! انكمشْ أيها الرجل، واعزمْ على أمرِك، وسرْ إلى عدوّك؛ ففعل ذلك المهلب، وأمَّر على الأخماس، فأمَّر عبيد الله بن زياد بن ظَبيانَ على خمس بكر بن وائل، وأمَّر الحَريش بن هلال السعديّ على خمس بني تميم، وجاءت الخوارج حتى انتهت إلى الجسْر الأصغر، عليهم عبيد الله بن الماحوز، فخرج إليهم في أشراف الناس وفُرسانهم ووجوههم، فحازهم عن الجسر، ودفعهم عنه، فكان أوّل شيء دفعهم عنه أهل البصرة، ولم يكن بقي لهم إلا أن يدخلوا؛ فارتفعوا إلى الجسر