الأكبر، ثمّ إنه عبّأ لهم، فسار إليهم في الخيل والرّجال، فلما أن رأوا أن قد أظلّ عليهم، وانتهى إليهم، ارتفعوا فوق ذلك مَرحلة أخرى، فلم يزل يحوزهم ويرفعهم مَرحلةً بعد مرحلة، ومنزلة بعد منزلة، حتى انتهَوْا إلى منزل من منازل الأهواز يقال له سَلَّى وسَلّبْرَى، فأقاموا به؛ ولما بلغ حارثة بن بدر الغُدَاني أن المهلب قد أمِّر على قتال الأزارقة، قال لمن معه من الناس:
كَرْنِبوا دَوْلبوا ... وحيث شئتمْ فاذهبُوا
قد أُمِّرَ المهلَّبُ
فأقبل من كان معه نحو البصرة، فصرفهم الحارثُ بن عبد الله بن أبي ربيعة إلى المهلب؛ ولما نزل المهلب بالقوم خندَق عليه ووضع المسالحَ، وأذكى العيون، وأقامَ الأحراس، ولم يزل الجندُ على مصافِّهم، والناس على راياتهم وأخماسهم وأبواب الخنادق عليها رجال موكَّلون بها، فكانت الخوارج إذا أرادوا بَياتَ المهلَّب وجدوا أمرًا مُحْكمًا، فرجعوا، فلم يقاتلْهم إنسانٌ قطّ كان أشدّ عليهم ولا أغيظَ لقلوبهم منه (?). (5/ 613 - 617).
قال أبو مخنف: فحدّثني يوسف بن يزيد، عن عبد الله بن عوف بن الأحمر: أن رجلًا كان في تلك الخوارج حدّثه أنّ الخوارج بعثتْ عبَيدَة بن هلال والزبير بن الماحوز في خيلين عظيمين ليلًا إلى عسكر المهلب، فجاء الزبير من جانبه الأيمن، وجاء عبَيدة من جانبه الأيسر، ثمّ كبّروا وصاحوا بالناس، فوَجَدوهم على تعبيتهم ومصافِّهم حَذِرين مُغِذِّين، فلم يصيبوا للقوم غِرّةً، ولم يَظفَروا منهم بشيء، فلما ذهبوا ليرجعوا ناداهم عبيدُ الله بن زياد بن ظَبْيانَ فقال:
وجَدتمُونا وُقُرًا أَنْجَادَا ... لا كُشُفًا خُورًا ولا أَوْغَادَا
هيهات! إنَّا إذا صيحَ بنا أتَيْنا، يا أهل النار، ألّا ابكروا إليها غدًا، فإنها مأواكم ومثواكم؛ قالوا: يا فاسق، وهل تُدَّخر النار إلا لك ولأشباهك!
إنّها أعدّت للكافرينَ وأنت منهم. قال: أتسمعون! كلُّ مملوك لي حرّ إنْ دخلتم أنتم الجنة إن بقيَ فيما بين سَفَوان إلى أقصى حجر من أرض خُراسانَ مجوسيٌّ ينكح أمّه وابنته وأختَه إلا دخلها. قال له عُبيدة: اسكت يا فاسق فإنما