قال أبو مخنف: فحدّثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم قال: لما تهيَّأنا للانصراف قام عبد الله بنِ غزيّة ووقف على القتلى فقال: يرحمكم الله، فقد صدقْتم وصَبرْتم، وكذبنا وَفرَرْنا؛ قال: فلما سرنا وأصبحنا إذا عبد الله بن غزيّة في نحو من عشرين قد أرادوا الرجوع إلى العدوّ والاستقتال، فجاء رفاعة وعبد الله بن عوف بن الأحمر وجماعة الناس فقالوا لهم: نَنْشدكم الله ألّا تزيدونا فُلولًا ونقصانًا، فإنا لا نزال بخير ما كان فينا مثلكم من ذوي النيّات، فلم يزالوا بهم كذلك يناشدونهم حتى ردّوهم غيرَ رجل من مزينة يقال له عُبيدة بن سُفيان، رحل مع الناس، حتى إذا غُفِل عنه انصرف حتى لقي أهل الشام، فشدّ بسيفه يضاربهم حتى قُتل (?). (5/ 606 - 607).

قال أبو مخنف: فحدّثني الحصين بن يزيد الأزديّ، عن حُميد بن مسلم الأزديّ، قال: كان ذلك المزنيّ صَدِيقًا لي، فلما ذهب لينصرفَ ناشدتُه الله، فقال: أما إنك لم تكن لتسألَني شيئًا من الدّنيا إلا رأيتُ لك من الحقّ عليّ إيتاءَكَهُ، وهذا الذي تسألني أريد اللهَ به، قال: ففارقني حتى لقي القومَ فقُتل؛ قال: فوالله ما كان شيء بأحبَّ إليَّ من أن ألقَى إنسانًا يحدّثني عنه كيف صَنَع حين لقيَ القوم! قال: فلقيتُ عبدَ الملك بن جزء بن الحِدْرِجان الأزديّ بمكة، فجرى حديث بيننا، جرى ذكرُ ذلك اليوم، فقال: أعَجب ما رأيتُ يومَ عَين الوردة بعد هلاك القوم أنّ رجلًا أقبل حتى شدّ عليّ بسيفه، فخرجنا نحوه، قال: فانتهى إليه وقد عُقِرَ بِهِ وهو يقول:

إنِّي منَ اللهِ إلى اللهِ أَفِرْ ... رِضْوانَكَ اللَّهمّ أُبْدِي وأُسِرْ

قال: فقلنا له: ممن أنت؟ قال: من بني آدم، قال: فقلنا: ممن؟ قال: لا أحبّ أن أعرِفَكم ولا أن تعرفوني يا مُخربي البيتَ الحرام؛ قال: فنزل إليه سليمانُ بن عمرو بن محصن الأزديّ من بني النجار؛ قال: وهو يومئذ من أشدّ الناس، قال: فكلاهما أثخَنَ صاحِبَه، قال: وشدّ الناسُ عليه من كلّ جانب، فقتلوه، قال: فوالله ما رأيتُ أحدًا قطّ هو أشدّ منه؛ قال: فلمّا ذُكر لي، وكنتُ أحبّ أن أعلم علمه، دمعتْ عيناي، فقال: أبيْنك وبينه قرابة؟ فقلت له: لا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015