ذلك رجل من مضَر كان لي وُدًّا وأخًا، فقال لي: أرقَأ الله دمعَك، أتبكي على رجل من مضَر قُتل على ضلالة! قال: قلتُ: لا، والله ما قُتل على ضلالة، ولكنه قتل على بيّنة من ربّه وهُدىً؛ فقال لي: أدخَلَك اللهُ مدخَله، قلتُ: آمين، وأدخَلَك الله مدخَل حصين بن نمير، ثم لا أرقأ الله لك عليه دمعًا؛ ثمّ قمت وقام.
وكان مما قيل من الشعر في ذلك قولُ أعشى هَمْدانَ، وهي إحدى المكتَّمات، كنّ يُكتَّمن في ذلك الزمان:
أَلمَّ خيالٌ منكِ يا أُمَّ غالبٍ ... فَحُيِّيتِ عنّا من حَبيبٍ مُجانبِ
وما زِلت لي شَجْوًا وما زلتُ مُقصدًا ... لِهَمٍّ عَرانِي من فِراقِك ناصِبِ
فما أنسَ لَا أَنْسَ انْفِتَالَكِ في الضُّحَى ... إلينا مع البيضِ الوِسام الخَراعِب
تَرَاءَتْ لنا هَيْفَاءَ مَهْضُومَةَ الحَشا ... لطيفةَ طيِّ الكَشْح رَيَّا الحَقائِبِ
مُبْتَلَّةً غَرَّاءَ، رُؤْدٌ شَبَابُها ... كشمسِ الضُّحَى تَنكلُّ بين السحائِب
فلمّا تغَشَّاها السَّحابُ وحولَهُ ... بَدَا حاجبٌ منها وضنَّتْ بحاجبِ
فتلك الهوى وَهْي الجَوَى ليَ والمُنَى ... فأحْبِبْ بها من خُلَّةٍ لم تُصاقِبِ
ولا يُبْعِدِ اللهُ الشَّبَابَ وذِكرَهُ ... وحُبَّ تَصافي المعْصِرَات الكَواعبِ
ويزدادُ ما أحببتُه من عِتَابِنَا ... لُعَابًا وسُقيًا للخَدين المُقَارِبِ
فإِنّي وإنْ لم أنسَهُنَّ لذَاكرٌ ... رَزيئةَ مِخْباتٍ كريم المَناصبِ
توَسَّلَ بالتَّقْوَى إلى اللهِ صادقًا ... وتَقْوى الإِلَهِ خيرُ تَكْسَابِ كاسِبِ
وخَلَّى عن الدنيا فلم يلتبِسْ بها ... وتابَ إلى اللهِ الرَّفيعِ المَرَاتِب
تخلَّى عن الدنيا وقال اطَّرَحتُها ... فلَستُ إليها ما حَيِيتُ بآيِبِ
وما أنا فيما يُكبرُ الناسُ فَقدَهُ ... ويسعى له الساعُونَ فيها بِرَاغِبِ
فوجَّهَهُ نحوَ الثَّوِيَّةِ سائرًا ... إلى ابنِ زيادٍ في الجموع الكباكبِ
بقوم همُ أهلُ التَّقِيَّةِ والنُّهَى ... مَصَالِيتُ أنجادٌ سُرَاةُ مَنَاجِبِ
مَضَوا تارِكي رأْي ابنِ طلحة حَسْبُهُ ... ولم يستجيبوا للأَمير المُخاطِبِ
فساروا وهمْ من بين مُلتَمِسِ التُّقَى ... وآخرَ مما جرّ بالأَمسِ تائِبِ
فلاقوا بعين الوردَةِ الجَيْشَ فاصِلا ... إليهمْ فحسُّوهم ببيضٍ قواضِبِ
يَمانِيَةٍ تذْرِي الأَكفَّ وتارةً ... بخيلٍ عِتاقٍ مُقْرَباتٍ سَلاهِب