هذه الراية حِمْيَريّة أو هَمْدانيّة، فدنا منهم فسألهم، فأخبروه، فقال لهم: إنكم آمنون، فقال له صاحبهم: إنه قد كنا آمنين في الدنيا، وإنما خرجنا نطلب أمانَ الآخرة؛ فقاتلوا القوم حتى قُتلوا، ومشى صُخير بن حذيفة بن هلال بن مالك المُزَنّي في ثلاثين من مُزَينة، فقال لهم: لا تهابوا الموت في الله، فإنه لاقيكم، ولا ترجعوا إلى الدّنيا التي خرجتم منها إلى الله فإنها لا تَبقَى لكم، ولا تَزهَدوا فيما رغبتم فيه من ثواب الله فإنّ ما عند الله خير لكم؛ ثمّ مضَوا فقاتَلوا حتى قُتلوا، فلما أمسى الناسُ ورجع أهل الشام إلى معسكرهم، نظر رفاعة إلى كلّ رجل قد عُقر به، وإلى كل جريح لا يُعينُ على نفسه؛ فدفعه إلى قومه، ثمّ سار بالناس ليلتَه كلَّها حتى أصبح بالتُّنَيْنير فعَبَر الخابُور، وقطع المعابر، ثمّ مضى لا يمرّ بمعبر إلا قطعه، وأصبح الحصين بن نمير فبعث فوجدهم قد ذَهبَوا، فلم يبعث في آثارهم أحدًا، وسار بالناس فأسرَعَ، وخلَّف رفاعة وراءهم أبا الجُوَيْرية العبديّ في سبعين فارسًا يَستُرون الناس؛ فإذا مرّوا برجل قد سقط حمله، أو بمتاع قد سقط قَبَضَه حتى يعرفه، فإن طُلب أو ابتُغىَ بعث إليه فأعلمه، فلم يزالوا كذلك حتى مرّوا بقَرْقيسيا من جانب البرّ، فبعث إليهم زُفَر من الطعام والعلف مثل ما كان بعث إليهم في المرة الأولى، وأرسل إليهم الأطباء وقال: أقيموا عندنا ما أحببتم، فإنّ لكم الكرامة والمواساة؛ فأقاموا ثلاثًا، ثمّ زوّد كلَّ امرئ منهم ما أحبّ من الطعام والعَلَف؛ قال: وجاء سعد بن حُذَيفة بن اليمان حتى انتهى إلى هِيتَ، فاستقبله الأعراب فأخبَروه بما لقى الناس، فانصرف، فتلقى المثنى بن مخرّبة العبديّ بصندوْداء، فأخبره، فأقاموا حتى جاءهم الخبر: إنّ رفاعة قد أظلّكم فخرجوا حين دنا من القرية، فاستقبلوه فسلم الناس بعضهم على بعض، وبكى بعضُهم إلى بعض، وتناعوْا إخوانَهم فأقاموا بها يومًا وليلة؛ فانصرف أهل المدائن إلى المدائن، وأهل البصرة إلى البصرة، وأقبل أهلُ الكوفة إلى الكوفة، فإذا المختار محبوس (?). (5/ 604 - 605).

قال هشام: قال أبو مخنف: عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أدهم بن مُحرز الباهليّ، أنه أتي عبد الملك بن مروان ببشارة الفتح، قال: فصعد المنبر، فحمِد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أما بعد، فإنّ الله قد أهلك من رؤوس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015