ليستقدم، فقال له ابن أحمر: قاتل معنا ساعةً رحمك الله ولا تُلقِ بيدك إلى التَّهلُكة. فما زال به يناشده حتى احتبس عليه، وأخذ أهلُ الشام يتنادَوْن: إنّ الله قد أهلكهم؛ فأقدموا عليهم فافرُغوا منهم قبل الليل، فأخذوا يقدمون عليهم، فيقدمون على شوكة شديدة؛ ويقاتلون فُرسانًا شجعانًا ليس فيهم سَقَط رجل، وليسوا لهم بمضجرين فيتمكنوا منهم: فقاتلوهم حتى العشاء قتالًا شديدًا، وقتِل الكنانيّ قبل المساء، وخرج عبد الله بن عزيز الكنديّ ومعه ابنه محمد غلام صغير، فقال: يا أهل الشام، هل فيكم أحدٌ من كندة؟ فخرج إليه منهم رجال، فقالوا: نَعَم، نحن هؤلاء.

فقال لهم: دونكم أخوكم فابعثوا به إلى قومكم بالكُوفة، فأنا عبد الله بن عزيز الكنديّ، فقالوا له: أنت ابن عمّنا، فإنك آمن؛ فقال لهم: والله لا أرغب عن مَصارع إخواني الذين كانوا للبلاد نورًا، وللأرض أوتادًا، وبمثلهم كان الله يُذكرَ؛ قال: فأخذ ابنُه يبكي في أثر أبيه، فقال: يا بنيّ، لو أن شيئًا كان آثَرَ عندي من طاعة ربِّي إذًا لكنتَ أنتَ، وناشَدَه قومه الشاميون لما رأوا من جزع ابنه وبكائه في أثره، وأرى الشاميون له ولابنه رِقَّة شديدة حتى جزعوا وبكَوا، ثم اعتزل الجانب الذي خرج إليه منه قومه، فشدّ على صفّهم عند المساء، فقاتلَ حتى قُتل (?). (5/ 602 - 604).

قال أبو مخنف: حدّثني فضيل بن خَدِيج، قال: حدّثني مسلم بن زَحْر الخَوْلانيّ، أنّ كريب بن زيد الحميريّ مشى إليهم عند المساء ومعه راية بَلْقاء في جماعة، قلّما تَنقُص من مئة رجل إنْ نقصَت، وقد كانوا تحدّثوا بما يريد رفاعة أن يصنع إذا أمسى، فقام لهم الحميريّ وجمع إليه رجالًا من حميَر وهَمْدان، فقال: يا عباد الله! رُوحوا إلى ربّكم، والله ما في شيء من الدنيا خَلَف من رضاء الله والتوبة إليه، إنه قد بلغني أنّ طائفة منكم يريدون أن يرجعوا إلى ما خرجوا منه إلى دنياهم، وإن هم ركنوا إلى دنياهم رجعوا إلى خطاياهم، فأمّا أنا فوالله لا أولّي هذا العدوّ ظهري حتى أرِدَ مَوارِد إخواني؛ فأجابوه وقالوا: رأينا مثل رأيك، ومضى برايته حتى دنا من القوم، فقال ابن ذي الكَلاع: والله إني لأرى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015