فحملتُ عليه أضرب يده اليسرى فأطنَنْتها، وتنخّيت قريبًا، فقلت له: أما إني أراك وَدِدْتَ أنك في أهلك، فقال: بئسما رأيت! أما والله ما أحبّ أنها يدك الآن إلّا أن يكون لي فيها من الأجر مثل ما في يدي؛ قال: فقلت له: لم؟ قال: لكيما يجعل الله عليك وِزْرَها، ويُعظم لي أجرها؛ قال: فغاظني فجمعتُ خيلي ورجالي؛ ثمّ حملنا عليه وعلى أصحابه، فدفعتُ إليه فطعنتُه فقتلتُه، وإنه لمقبل إليّ ما يزول؛ فزعموا بعدُ أنه كان من فقهاء أهل العراق الذين كانوا يُكثرون الصوم والصلاة ويُفتُون الناس (?). (5/ 602).

قال أبو مخنف: وحدّثني الثقة، عن حميد بن مسلم وعبد الله بن غزيّة قال: لما هلك عبد الله بن والٍ نظرنا، فإذا عبد الله بن خازم قتيل إلى جنبه، ونحن نرى أنه رفاعة بن شدّاد البَجَليّ، فقال له رجل من بني كنانة يقال له الوليد بن غضين: أمسك رايتَك؛ قال: لا أريدها؛ فقلت له: إنا لله! ما لَكَ! فقال: ارجعوا بنا لعلّ الله يجمعَنا ليوم شرّ لهم، فوثب عبد الله بن عوف بن الأحمر إليه، فقال: أهلكْتَنا، والله لئن انصرفت ليركبُنّ أكتافنا فلا نبلغ فرسخًا حتى نَهلِك من عند آخرِنا، فإن نجا منا ناج أخذه الأعراب وأهلُ القرى، فتقرّبوا إليهم به فيُقتل صبرًا، أنشدك الله أن تفعل، هذه الشمس قد طفلتْ للمغيب، وهذا الليلُ قد غشيَنا، فنقاتلهم على خيلنا هذه فإنا الآن ممتنعون، فإذا غَسَق الليل ركبنا خيولَنا أوّل الليل فرمينا بها، فكان ذلك الشأن حتى نُصبح ونسير ونحن على مَهَل، فيحمل الرجل منا جريحَه وينتظر صاحبَه، وتسير العَشَرة والعشرون معًا، ويعرف الناس الوجهَ الذي يأخذون، فيتبع فيه بعضهم بعضًا؛ ولو كان الذي ذكرت لم تقف أم على ولدها، ولم يعرف رجل وجهَه، ولا أين يسَقُط، ولا أين يَذهَب! ولم نصبح إلا ونحن بين مقتول ومأسور، فقال له رفاعة بن شدّاد: فإنك نعمَ ما رأيت؟ قال: ثمّ أقبل رفاعة على الكنانيّ فقال له: أتمسكها أم آخذُها منك؟ فقال له الكنانيّ: إني لا أريد ما تريد، إني أريد لقاء ربِّي، واللَّحاق بإخواني، والخروجَ من الدنيا إلى الآخرة، وأنت تريد ورقَ الدنيا، وتَهوَى البقاء، وتكره فراق الدنيا، أما والله إني لأحبُّ لك أن ترشد، ثمّ دفع إليه الراية، وذهب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015