الآخرُ فخرّ إلى الأرض، فحمل أصحابه وحملْنا، وكانوا أكثر منّا فاستنقذوا صاحبَهم، وقتلوا صاحبَنا، وبقيت الرّاية ليس عندها أحدٌ.
قال: فنادينا عبد الله بن والٍ بعد قتلهم فرسانَنا، فإذا هو قد استلحم في عصابة معه إلى جانبنا، فحمل عليه رفاعة بن شدّاد، فكشَفَهم عنه، ثمّ أقبل إلى رايته وقد أمسكها عبد الله بن خازم الكثيريّ، فقال لابن وال: أمسك عني رايتك؛ قال: امسكْها عنِّي رحمك الله، فإنِّي بي مثلُ حالك فقال له: أمسك عني رايتك، فإنّي أريد أن أجاهد؛ قال: فإنّ هذا الذي أنت فيه جهاد وأجر؛ قال: فصِحنْا: يا أبا عزَّة، أطع أميرَك يرحَمُك الله! قال: فأمسكها قليلًا، ثمّ إنّ ابن وال أخذها منه (?). (5/ 600 - 601).
قال أبو مخنف: قال أبو الصلت التيميّ الأعور: حدّثني شيخ للحيّ كان معه يومئذ، قال: قال لنا ابن وال: مَنْ أراد الحياة التي ليس بعدها موت، والراحة التي ليس بعدها نَصَبٌ، والسرورَ الذي ليس بعده حَزْنٌ، فليتقرّب إلى ربّه بجهاد هؤلاء المحلِّين، والرواحِ إلى الجنة رحِمكم الله! وذلك عند العصر؛ فشدّ عليهم، وشددْنا معه، فأصبنا والله منهم رجالًا، وكشفناهم طويلًا، ثمّ إنهم بعد ذلك تعطّفوا علينا من كلّ جانب، فحازونا حتى بلغوا بنا المكان الذي كنا فيه، وكنا بمكان لا يقدرون أن يأتونا فيه إلّا من وجه واحد، ووليَ قتالَنا عند المساء أدهم بن مُحرِز الباهليّ، فشدّ علينا في خيله ورجاله، فقتل عبد الله بن وال التيميّ (?). (5/ 601 - 602).
قال أبو مخنف: عن فروة بن لقيط، قال: سمعت أدهمَ بن محرز الباهليّ في إمارة الحجّاج بن يوسفَ وهو يحدّث ناسًا من أهل الشام، قال: دفعت إلى أحد أمراءِ العراق؛ رجل منهم يقولون له عبد الله بن وال وهو يقول: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ ... } الآيات الثلاث، قال: فغاظني، فقلت في نفسي: هؤلاء يَعدّوننا بمنزلة أهل الشرك، يَرَون أنّ من قتلْنا منهم كان شهيدًا.