منهمْ مَن قَضى نحبه، ومنهم من يَنتظر وما بَدَّلوا تبديلًا، وأقبل بمن كان معه من الأزْد، فحَفّوا برايته، فوالله إنا لكذلك إذ جاءنا فرسان ثلاثة: عبد الله بن الخضِل الطائيّ، وكثير بن عمرو المُزَنّي، وسعر بن أبي سعر الحنفيّ، كانوا خرجوا مع سعد بن حذيفة بن اليَمانِ في سبعين ومئة من أهل المدائن، فسرّحهم يومَ خرج في آثارنا على خيول مقلّمة مقدّحة، فقال لهم: اطوُوا المنازلَ حتى تلحقوا بإخواننا فتبشِّروهم بخروجنا إليهم لتشتدّ بذلك ظهورُهم، وتخبروهم بمجيء أهلِ البصرة أيضًا، كان المثنى بن مخرّبة العبديّ أقبل في ثلاثمئة من أهل البصرة، فجاء حتى نزل مدينة بَهرُسير بعد خروج سعد بن حُذَيفة من المدائن لخمس ليال، وكان خروجُه من البصرة قبل ذلك قد بلغ سعدَ بن حذيفة قبل أن يخرج من المدائن، فلما انتَهوا إلينا قالوا: أبشروا فقد جاءكم إخوانكم من أهل المدائن وأهل البصرة؛ فقال عبد الله بن سعد بن نُفَيل: ذلك لو جاؤونا ونحن أحياء؛ قال: فنظروا إلينا، فلما رأوا مصارعَ إخوانهم وما بنا من الجراح، بكى القومُ وقالوا: وقد بلغ منكم ما نَرَى! إنّا لله وإنا إليه راجعون! قال: فنظروا والله إلى ما ساء أعينَهمِ؛ فقال لهم عبد الله بن نُفَيل: إنا لهذا خرجْنا، ثمّ اقتتلنا فما اضطربنا إلا ساعةً حتى قتل المزنىّ، وطعِن الحنفيّ فوقع بين القتلى، ثم ارتُثّ بعد ذلك فنجا، وطعن الطائيّ فجزِم أنفُه، فقاتل قتالًا شديدًا، وكان فارسًا شاعرًا، فأخذ يقول:
قد علِمتْ ذاتُ القَوام الرُّودِ ... أنْ لَسْتُ بالوانِي ولا الرِّعدِيدِ
يومًا ولا بالفَرِقِ الحَيُودِ
قال: فحمل علينا ربيعة بن المخارق حملةً منكرة، فاقتتلنا قتالًا شديدًا.
ثمّ إنه اختلف هو وعبد الله بن سعد بن نفيل ضربتين، فلم يصنع سيفاهما شيئًا، واعتنق كلّ واحد منهما صاحبه، فوقعا إلى الأرض، ثمّ قاما فاضطربا، ويحمل ابن أخي ربيعة بن المخارق على عبد الله بن سعد، فطعنه في ثُغْرة نحره، فقتله، ويحمل عبد الله بن عوف بن الأحمر على ربيعة بن المخارق، فطعنه فصرَعه، في يُصِب مَقتلًا؛ فقام فكرّ عليه الثانية، فطعنه أصحابُ ربيعة فصرَعوه؛ ثمّ إنّ أصحابَه استنقذوه، وقال خالد بن سعد بن نفيل: أرُوني قاتلَ أخي، فأرَيناه ابن أخي ربيعةَ بن المخارق؛ فحمل عليه فقنَّعه بالسيف واعتنقه