والإمام المهديّ، بأمر فيه الشفاء، وكشفُ الغطاء، وقتل الأعداء، وتمام النَّعماء: إنّ سليمان بن صُرد يرحمنا الله وإيّاه إنما هو عَشَمة من العَشم وحِفشٌ بالٍ، ليس بذي تجربة للأمور، ولا له علمٌ بالحروب؛ إنما يريد أن يُخرجكم فيقتل نفسه ويقتلكم، إني إنما أعمل على مثال قد مُثِّل لي، وأمرٍ قد بُيِّن لي، فيه عزّ وليّكم، وقتل عدوّكم، وشفاء صدوركم، فاسمعوا مني قولي، وأطيعوا أمري، ثمّ أبشِروا وتباشَروا؛ فإنّي لكم بكل ما تأملون خيرُ زعيم.
قال: فوالله ما زال بهذا القول ونحوه حتى استمالَ طائفةً من الشيعة، وكانوا يختلفون إليه ويعظِّمونه، وينظرون أمرَه، وعُظمُ الشيعة يومئذ ورؤساؤهم مع سليمان بن صرد، وهو شيخ الشيعة وأسنُّهم، فليس يَعدِلون به أحدًا؛ إلّا أنّ المختار قد استمال منهم طائفةً ليسوا بالكثير، فسليمان بن صُرَد أثقل خلق الله على المختار، وقد اجتمع لابن صُرَد يومئذ أمرُه، وهو يريد الخروج والمختار لا يريد أن يتحرّك، ولا أن يهيّج أمرًا حتَّى ينظر إلى ما يصير إليه أمرُ سليمان، رجاءَ أن يستجمع له أمرُ الشيعة، فيكون أقوَى له على دركِ ما يطلب، فلما خرج سليمان بن صُرَد ومضى نحو الجَزيرة قال عمر بن سعد بن أبي وقَّاص وشَبَث بن رِبْعيّ ويزيد بن الحارث بن رُويْم لعبد الله بن يزيد الخطميّ وإبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله: إنّ المختار أشدّ عليكم من سليمان بن صُرَد، إن سليمان إنما خرج يقاتل عدوّكم، ويذللهم لكم، وقد خرج عن بلادكم؛ وإنّ المختار إنما يريد أن يثبَ عليكم في مصركم، فسيروا إليه فأوثِقوه في الحديد، وخلِّدوه في السجن حتى يستقيمَ أمرُ الناس، فخرجوا إليه في الناس، فما شعر بشيء حتى أحاطوا به وبداره فاستخرجوه، فلما رأى جماعتهم قال: ما بالُكم! فوالله بُعدَ ما ظفِرتْ أكفّكم! قال: فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله لعبد الله بن يزيد: شُدّه كتافًا، ومشّه حافيًا، فقال له عبد الله بن يزيد: سبحان الله! ما كنت لأمشّيه ولا لأحفيه ولا كنت لأفعلَ هذا برجل لم يُظهر لنا عداوةً ولا حربًا. وإنما أخذناه على الظنّ. فقال له إبراهيم بن محمد: ليس بعُشِّكِ فادْرُجي. ما أنت وما يبلغنا عنك يا بن أبي عبيد! فقال له: ما الذي بلغك عني إلا باطلٌ، وأعوذ بالله من غشٍّ كغِشّ أبيك وجدّك! .
قال: قال فُضَيل: فوالله إني لأنظرُ إليه حين أخرج وأسمع هذا القول حين قال