وذكر هارون بن زياد بن خالد بن الصلت، قال: أخبرني أبي، قال: ولّى المنصور خالد بن الصلت النفقة على رُبع من أرباع المدينة وهي تبنى.
قال خالد: فلما فرغتُ من بناء ذلك الرُّبع رفعت إليه جماعة النفقة عليه، فحسبها بيده، فبقي عليّ خمسة عشر درهمًا، فحبسني بها في حبس الشرقية أيامًا حتى أدّيتُها، وكان اللبِن الذي صُنع لبناء المدينة اللبِنة منها ذراعٌ في ذراع.
وذكِر عن بعضهم أنه هدم من السور الذي يلِي باب المحوّل قطعة فوجد فيها لبنة مكتوبًا عليها بمُغْرة وزنها مئة وسبعة عشر رطلًا، قال: فوزنَّاها فوجدناها على ما كان مكتوبًا عليها من الوزن وكانت مقاصير جماعة من قوّاد أبي جعفر وكتابه تشرع أبوابها إلى رَحَبة المسجد.
وذكر عن يحيى بن الحسن بن عبد الخالق؛ خال الفضل بن الربيع، أنَّ عيسى بن عليّ شكا إلى أبي جعفر، فقال: يا أميرَ المؤمنين؛ إن المشي يشقّ عليّ من باب الرّحبة إلى القصر، وقد ضعفت، قال: فتحمَل في محفَّة، قال: إني أستحي من الناس، قال: وهل بقي أحدٌ يستحيَا منه! قال: يا أمير المؤمنين، فأنزلني منزلة راوية من الروايا، قال: وهل يدخل المدينة راوية أو راكب؟ قال: فأمر الناس بتحويل أبوابهم إلى فُصْلان الطاقات؛ فكان لا يدخل الرّحبة أحد إلّا ماشيًا، قال: ولمّا أمر المنصور بسدِّ الأبواب ممّا يلي الرحبة وفتحها إلى الفُصلان صيرت الأسواق في طاقات المدينة الأربع، في كلّ واحد سوق، فلم تزل على ذلك مدّة حتى قدم عليه بِطْريق من بطارقة الرُّوم وافدًا، فأمر الرّبيعَ أن يطوف به في المدينة وما حولها ليرى العمران والبناء، فطاف به الرّبيع، فلمّا انصرف قال: كيف رأيتَ مدينتي - وقد كان أصعد إلى سور المدينة وقباب الأبواب؟ قال: رأيت بناء حسنًا؛ إلّا أني قد رأيتُ أعداءك معك في مدينتك، قال: ومَنْ هم؟ قال: السوقة، قال: فأضبّ عليها أبو جعفر، فلما انصرف البِطريق أمر بإخراج السوق من المدينة، وتقدّم إلى إبراهيم بن حُبيش الكوفيّ، وضمّ إليه جوّاس بن المسيَّب اليمانيّ مولاه، وأمرهما أن يبنيا الأسواق ناحية الكرخ، ويجعلاها صفوفًا وبيوتًا لكل صنف؛ وأن يدفعاها إلى الناس، فلما فعلا ذلك حوّل السوق من المدينة إليها، ووضع عليهم الغلة على قدر الذَّرْع؛ فلما كثر الناس بنوا في مواضع من الأسواق لم يكن رغب في البناء فيها إبراهيم بن