حبيش وجوّاس، لأنها لم تكن على تقديم الصُّفوف من أموالهم؛ فألزِموا من الغلة أقلّ مما ألزِم الذين نزلوا في بناء السلطان.

وذكر بعضهم أن السبب في نقل أبي جعفر التجار من المدينة إلى الكَرْخ وما قرب منها مما هو خارج المدينة، أنه قيل لأبي جعفر: إنّ الغرباء وغيرهم يبيتون فيها، ولا يؤمن أن يكون فيهم جَواسيس، ومَنْ يتعرّف الأخبار، أو أن يفتح أبواب المدينة ليلًا لموضع السوق، فأمر بإخراج السوق من المدينة وجعلها للشُّرط والحرَس، وبنى للتجار بباب طاق الحرَّانيّ وباب الشأم والكرخ.

وذُكِر عن الفضل بن سليمان الهاشميّ، عن أبيه، أنّ سبب نقله الأسواق في مدينة السلام ومدينة الشرقيّة إلى باب الكَرْخ وباب الشعير وباب المحوّل؛ أنّ رجلًا كان يقال له أبو زكرياء يحيى بن عبد الله، ولّاه المنصور حِسْبة بغداد والأسواق سنة سبع وخمسين ومئة، والسوق في المدينة؛ وكان المنصور يتبع مَنْ خرج مع محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن، وقد كان لهذا المحتسب معهم سبب، فجمع على المنصور جماعة استغواهم من السفلة، فشغَبوا واجتمعوا، فأرسل المنصور إليهم أبا العباس الطوسيّ فسكّنهم، وأخذ أبا زكرياء فحبسه عنده، فأمره أبو جعفر بقتله، فقتله بيده حاجبٌ كان لأبي العباس الطوسيّ، يقال له موسى، على باب الذهب في الرّحبة بأمر المنصور، وأمر أبو جعفر بهدم ما شَخَص من الدُّور في طريق المدينة، ووضع الطريق على مقدار أربعين ذراعًا، وهدم ما زاد على ذلك المقدار، وأمر بنقل الأسواق إلى الكرْخ.

وذكر عن أبي جعفر أنه لما أمر بإخراج التجار من المدينة إلى الكَرْخ كلمه أبان بن صَدَقة في بقّال، فأجابه إليه على ألّا يبيع إلا الخلّ والبقْل وحده، ثم أمر أن يجعل في كلّ رُبع بقَّال واحد على ذلك المثال.

وذكِر عن عليّ بن محمد أن الفضل بن الربيع، حدّثه أن المنصور لما فرغ من بناء قصره بالمدينة، دخله فطاف فيه، واستحسنه واستنظفه، وأعجبه ما رأى فيه؛ غير أنه استكثر ما أنفق عليه، قال: ونظر إلى موضع فيه استحسنه جدًّا، فقال لي: اخرج إلى الرَّبيع فقل له: اخرج إلى المسيّب، فقل له: يحضرني الساعة بنَّاء فارهًا، قال: فخرجتُ إلى المسيّب فأخبرته، فبعث إلى رئيس البنائين فدَعاه، فأدخله على أبي جعفر؛ فلمّا وقف بين يديه قال له: كيف عملت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015