من المغرب في الفرات، وتجيئك طرائف مصر والشأم، وتجيئك الميرة في السفن من الصين والهند والبصرة وواسط في دجلة، وتجيئك الميرة من أرمينيَة وما اتصل بها في تأمَرّا حتى تصل إلى الزاب، وتجيئك الميرة من الرّوم، وآمِد والجزيرة والموصل في دِجلة، وأنت بين أنهار لا يصل إليك عدوّك إلا على جِسْر أو قنطرة؛ فإذا قطعت الجِسر وأخرجت القناطر لم يصلْ إليك عدوّك، وأنت بين دِجْلة والفرات لا يجيئك أحدٌ من المشرق والمغرب إلّا احتاج إلى العُبور، وأنت متوسط للبصرة وواسط والكوفة والموصل والسّوَاد كله، وأنت قريب من البرّ والبحر والجبل، فازداد المنصور عزمًا على النزول في الموضع الذي اختاره، وقال له: يا أميرَ المؤمنين؛ ومع هذا فإنّ الله قد منَّ على أمير المؤمنين بكثرة جيوشه وقوّاده وجنده؛ فليس أحد من أعدائه يطمع في الدنوّ منه، والتدبيرُ في المدن أن تتخذ لها الأسوار والخنادق، والحصون، ودجلة والفرات خناق لمدينة أمير المؤمنين (?).

وذكر عن إبراهيم بن عيسى أن حمادًا التركيّ، قال: بعث المنصور رجالًا في سنة خمس وأربعين ومئة، يطلبون له موضعًا يبني فيه مدينته، فطلبوا وارتادوا، فلم يرض موضعًا، حتى جاء فنزل الدَّيْر على الصَّرَاة، فقال: هذا موضع أرضاه، تأتيه المِيرة من الفرات ودِجْلة، ومن هذه الصراة.

وذكر عن محمد بن صالح بن النطاح عن محمد بن جابر، عن أبيه، قال: لما أراد أبو جعفر أن يبني مدينته ببغداد رأى راهبًا، فناداه فأجابه، فقال: تجدُون في كتبكم أنه تبنى هاهنا مدينة؟ قال الرّاهب: نعم، يبنيها مِقْلاص، قال أبو جعفر: أنا كنت أدعى مِقلاصًا في حداثتي، قال: فأنت إذًا صاحبُها، قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015