فضلوا وأضلوا". وإن مما لا شك فيه عند أهل العلم أن ممارسة تصحيح الأحاديث وتضعيفها ممن لا معرفة عنده، أسوأ وأشد من الإفتاء بغير علم، لأن الحديث النبوي هو المرجع الثاني بعد القرآن الكريم، فالكلام فيه بغير علم أخطر ضلالاً وإضلالاً كما لا يخفى، ولا سيما إذا كان لغرض مادي من جاه أو مال أو منصب، وحينئذ يكون له نصيب أو شَبَهٌ بمن قال الله تعالى فيهم:

{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}.

ولا أكون مبالغاً إذا قلت: إنني لم أرَ -مع كثرة أهل الأغراض والأهواء في هذا الزمن- واحداً فضلاً عن ثلاثة يتفقون على الكلام على الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً بغير علم أجرأ من هؤلاء، وبهذا التوسع، حيث بلغ عدد أحاديث طبعتهم (5580) في أربعة مجلدات ضخام في أكثر من ثلاثة آلاف صفحة! ليس فيها من العلم ما يستحق الذكر، إلا تكرار ذكر المصادر التي في "الترغيب" إلى الحاشية مقرونة بأرقام مجلداتها وصفحاتها أو أرقام أحاديثها، بحيث إن القارئ يتوهم أن ذلك من سعيهم وكدهم، وإنما هو مجرد نقل منهم لها من الفهارس التي كثرت في هذا الزمان، ومع ذلك لم يستفيدوا منها شيئاً لتصويب بعض الأخطاء الواقعة في "الترغيب"، وهي كثيرة كما سيرى القراء إن شاء الله ذلك منبهاً عليه في التعليقات.

ولنعد إلى المقصود الأهم هنا، فأقول:

إن الأحكام التي يطلقونها على الأحاديث تنقسم في الجملة إلى قسمين:

القسم الأول: مما سرقوه من بعض المؤلفين قديماً وحديثاً، وفي بعضها نظر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015