نقلوه عن ابن الأثير كان يغنيهم أن يقعوا في هذا الجهل، أو العجمة على الأقل، ولكن صدق من قال: وكل إناء بما فيه ينضح.
ومثله وأسوأ منه تفسيرهم (اللَّمَمَ) في حديث المرأة التي كان بها طرف من جنون، وطلبت منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يدعو لها، وخيرها - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أن يدعو لها فتشفى، وبين أن تصبر، ولا حساب عليها. فقالت: أصبر ولا حساب عليَّ. (?)
فقال المعلقون الثلاثة الجهلة (4/ 183):
" (لَمَمٌ): مقاربة المعصية، ويعبر بها عن الصغيرة .. ".
فتأمل أيها القارئ الكريم كيف فسروا هذه اللفظة من الحديث بمعناها المذكور في تفسيرها في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}، فخلطوا خلطاً قبيحاً جداً؛ فإن هذا المعنى لا يناسب الحديث مطلقاً كما هو ظاهر بأدنى تأمل، لأن معناه حينئذ أن المرأة جاءت تشكو ارتكابها المعصية، وأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيّرها بين البقاء عليها، وبين أن يدعو لها ولا حساب عليها .. !
وهذا من أبطل الباطل، {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}؟!
وإذا كان هذا حالهم في الفقه واللغة، فهم في الحديث أجهل، بل هو الداء العضال، لأنه جهل مركب، إذا حسنا الظن بهم، وإلا فيكونون قد تكلموا بغير علم وهم يعلمون! فيشملهم وعيد قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث المتفق عليه:
"إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس؛ ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم،