وأما أهل السنة والجماعة فوسط بين الغالي والجافي. يقول أئمتهم: إن الإيمان عمل الجوارح. فكما يجب على الخلق أن يصدقوا الرسل عليهم السلام فيما أخبروا، فعليهم أن يطيعوهم فيما أمروا، فلا يتحقق الإيمان بالرسول مع ترك الطاعة بالكلية.

قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (?).

ويقولون: إن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب ولازمةٌ لها، فالقلب إذا كان فيه معرفةٌ وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة، لا يمكن أن يختلف البدن عما يريده القلب، كما قال عليه الصلاة والسلام: «ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب .. » (?).

إن الإيمان الحق يحدث خشية في القلب، تسري على الجوارح؛ فتصلحها فتنشط لعمل الصالحات .. وتتورع قدر الطاقة من فعل المحرمات، وإن ضعفت ووقعت في شيء من المحظورات ندمت، واستغفر صاحبها {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (?). أو زاد من فعل الحسنات: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (?).

وإذا صح الإيمان وحيا القلب تعلق العبد بالله تعلق المضطر المنيب المنكسر المسكين، وأحدث له من الأثر ما تحمد عقباه عاجلًا وآجلًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015