وعدلاً تخشى على نفسك النفاق، فكيف يرجو النجاة أمثالُنا؟
ترجو النَّجاة ولم تسلكْ مسالكَها ... إن السفينةَ لا تجري على اليبسِ
وهذا أبو الدرداء، رضي الله عنه، يدخل عليه جُبَير بن نُفير منزله بحمص فإذا هو قائم يصلي في مسجده، فلمّا جلس يتشهد جعل يتعوذ من النفاق، فلما انصرف قلت له: غفر الله لك يا أبا الدرداء، ما أنت والنفاق؟ قال: اللهم غفرًا- ثلاثًا- من يأمن البلاء؟ من يأمن البلاء؟ والله إن الرجل لَيُفتن في ساعة فينقلب عن دينه (?).
وأخرج البخاري- تعليقًا- عن ابن أبي مليكة، رحمه الله، قال: (أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، كلُّهم يخاف النفاق على نفسه) (?).
إذا كانت تلك نماذج لخوف المؤمنين من عباد الله الصالحين، أفلا يدعوك إلى الخوف- مما خافوا منه- وأنت وأنا في عداد المخطئين المقصرين؟
أيها المسلمون، ولم تكن ظاهرة الإرجاء في عالمنا الإسلامي لتمضي دون أن تترك لها أثرًا أو ظلاً، والمتأمّل في واقعنا يلاحظ كثيرًا من مظاهر الضعف والتخلّي عن الواجبات، ولاشك أن لظاهرة الإرجاء أثرًا عليها، فكلُّ خطأٍ يبرّر بأن رحمة الله واسعة، وكل ذنبٍ يقع يقال عنه: إن الله يغفر الذنوب جميعًا .. وهكذا حتى أثّر تناسي الخوف من الله على كثير من العبادات، ونتج عن ذلك فتور في أداء الطاعات والواجبات، وربما صاحبتها منّةٌ ومماراة، وولّد هذا الشعور المتراخي هتكًا لأستار الحلال، وولوجًا إلى منطقة الحرام، وسرى الغش في البيع والشراء، وعدد من المعاملات بين الناس، وربما أباح بعض الناس لأنفسهم الربا، ولو كان فيه حربٌ على الله ورسوله، والزنا ولو كان