الحمد لله رب العالمين، وفق الصالحين لطاعته، وملأ قلوبهم خوفًا منه ورجاءً له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يمهل ولا يهمل، وإذا أخذ فإن أخذه أليمٌ شديد: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (?). وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله كان أعلم الناس بالله، وأخوفهم لله، وأتقاهم له. اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر المرسلين.
أيها المسلمون، وإذا أردتم أن تعلموا الفرق بين أمننا وخوف السلف من قبلنا، فانظروا في الفرق بين طاعتنا وطاعتهم، وانظروا كذلك في تغليب الخوف عندهم، وتغليب الرجاء عندنا.
فهذا عمر، رضي الله عنه، وهو الرجل الثاني في الإسلام بعد أبي بكر، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومواقفه الإيمانية لا تكاد تخفى على مطلع، ويكفيه فخرًا أنه ما سلك فجًّا إلا وسلك الشيطان فجًّا آخر .. إلى آخر مناقبه العظيمة .. ومع ذلك يلازمه الخوف، ويخشى على نفسه، ليس من التقصير في الطاعات فحسب، بل ويخشى أن يكون في زمرة المنافقين الذين غيّب الرسول، صلى الله عليه وسلم، أسماءهم، وأودع سرهم عند حذيفة، رضي الله عنه، ومع ذلك يناشد حذيفةَ- صاحبَ سر رسول الله صلى الله عليه وسلم- ويقول: نشدتك الله يا حذيفة هل عدّني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من المنافقين؟ فيجيبه حذيفة، رضي الله عنه، لا، ولا أزكي أحدًا بعدك (?).
إيه يا بن الخطاب، إذا كنتَ وأنتَ من أنتَ إيمانًا وتقىً وجهادًا وتضحيةً