إنهُ حديثٌ طويلٌ في كتابِ اللهِ يُطالِعُكَ في طِوال السُّوَرِ وقصارِها حديثٌ تنْصِتُ له النفوسُ وتخشَعُ له القلوب، يستثيرُ المشاعرَ الحيَّةَ وتستجيبُ له الأحاسيسُ المؤمنة.
كيفَ لا، وفَلْقُ الحبَّةِ والنَّوى، وإخراج الميِّتِ مِنَ الحيِّ وعكسُه، وفَلْقُ الإصباحِ وسكنُ الليل، وحُسْبانُ الشمسِ والقَمَر .. كلُّ ذلكَ يَردُ في أقْصرِ عبارةٍ وأبلغِها: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ، فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (?).
يا أهلَ القرآنِ: وإذا تفاخرتِ الأممُ بأبحاثِها في الفَضاء، وتوصَّلَ باحثوها إلى نتائجَ تَحْتملُ الصحةَ والخطأ، فَدونَكُم القُرآنَ يُحدِّثُكُم العليمُ الحكيمُ عن مشهدِ السحابِ كيفَ يكوِّنُهُ الله، ومَنْ يُصابُ به ومن يُصرَفُ عنه، وعَنْ سَنَا بَرْقِهِ وأَثرِهِ في الأبْصَار .. استمعْ إلى ذلكَ متأمِّلًا خاشعًا لله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ} (?)، ومنْ سحابِ السماءِ إلى سحابِ البحار، ومنْ برْقِ السماءِ الخاطفِ، إلى ظلماتِ البحارِ ولُجِّها ومَوْجِها يأخُذُكَ القرآنُ مُذكِّرًا وهادِيًا: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} (?).