وكشفِ الباطل .. لكنه الأدبُ في الاختلاف والسعيُ بكلِّ وسيلةٍ للائتلاف، وكم هو رائعٌ أن يدفعَ العلماءُ مفسدةَ فتنةِ العامة، بإظهارِ الوُدّ وتقديرِ بعضهم لبعض، وعدم التنازعِ على مشهد من الناس، ومما يُذكر في ذلك أن الإمام أحمدَ وإسحاقَ وعبدَ الرزاقِ خرجوا إلى المصلي في عيدِ الفطر، وكان أحمدُ وإسحاقُ يَرون سُنيةَ التكبير لعيد الفطر، بينما لا يرى عبدُ الرزاق سنيةَ التكبير إلا في عيدِ الأضحى، ولكن ما الذي حصل في المصلَّى؟ لم يكبر أحمدُ وإسحاقُ مراعاةً لاجتهاد عبدِ الرزاقِ، وعبدُ الرزاق عجبَ من عدم تكبيرِهما وقال: لو كبَّرتما لكبَّرت معكما، مداراةً لاجتهادهما، ودفعًا لفتنةِ العَوَام (?). وهكذا يحرصُ العلماءُ على توحيد المواقف أمامَ الناس، وإن اختلفت اجتهاداتُهم في بعض المسائل.
ويُوصي العلماءُ وطلبةُ العلم - كذلك - في سبيلِ الائتلاف ودفع الاختلافِ والفرقةِ بالسكوتِ أحيانًا عن بعض المسائلِ غير المألوفةِ، لاسيما إذا كان الخلافُ فيها جاريًا، ونشرُها بين الناس يُحدثُ فتنةً لبعضهم، وهنا يرشدُ الشاطبيُّ رحمه الله إلى ضابطٍ لعرض المسائلِ الشرعيةِ المثيرةِ ويقول: «وضابطه أنك تَعرضُ مسألتَك على الشريعةِ، فإن صحّت في ميزانِها، فانظر في مآلها بالنسبة إلى حالِ الزمانِ وأهلِه، فإن لم يؤدِّ ذكرُها إلى مفسدة فاعرِضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلكَ أن تتكلمَ فيها، إما على العمومِ، إن كانت مما تقبله العقولُ على العموم، وإما على الخصوص، إن كانت غيرَ لائقةٍ بالعموم، وإن لم يكن لمسألتِك هذا المساغُ فالسكوتُ عنها هو الجاري على وفقِ المصلحةِ الشرعية والعقلية» (?).