والصلاةُ خلفَ المبتدِع أولى من ترك الجماعةِ، بل يُستعانُ بالمبتدِعةِ في تحصيل واجبٍ أعظم، وتُحتملُ مفسدةُ بدعتِهم، وكذلك أخذَ السلفُ بعضَ الأحاديث عن أهل بدعةِ القَدَرِ في البصرة حين لم يجدوها عند غيرهم من أهل السُّنة، بعد موازنَتهم بين هجر الرواية عنهم زجرًا لهم عن بدعتهم وبين مصلحة حفظِ السّنةِ، وقررَ هذا ابنُ تيمية بقوله: «فلو تُرك روايةُ الحديثِ عنهم لاندرسَ العلمُ والسننُ والآثارُ المحفوظةُ فيهم».
بل رتبَ على ذلك قاعدةً عامةً ومهمةً قال فيها: «فإذا تعذَّرَ إقامةُ الواجباتِ من العلم والجهاد وغيرِ ذلك إلا بمن فيه بدعةٌ مضرتُها دون مضرةِ ترك ذلك الواجب، كان تحصيلُ مصلحةِ الواجبِ مع مفسدةٍ مرجوحةٍ معه خيرًا من العكس» (?).
إخوةَ الإسلام: ومما يُسهمُ في الائتلاف بين المؤمنين قابليةُ التنازلِ لمصلحة الجماعةِ، وإن كان المتنازلُ أحقَّ من غيره، وفي أحدِ غزواتِ المسلمين (ذات السلاسل)، أمّرَ عليهم الرسولُ صلى الله عليه وسلم عمرو بنَ العاصِ رضي الله عنه، ثم بعثَ له مددًا من المهاجرين فيهم أبو بكرٍ وعمرُ، وأمَّر عليهم أبا عبيدةَ ابنَ الجراح رضي الله عنه، فلما وصلَ المددُ قال عمرو: أنا أميرُكم، فقال المهاجرون: بل أنت أميرُ أصحابِك، وأميرُنا أبو عبيدةَ، فقال عمروٌ: إنما أنتم مدَدٌ أُمددتُ بكم، فلما رأى ذلك أبو عبيدةَ - وكانَ رجلًا حسنَ الخُلُق، ليّنَ الشيمة، متبعًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحبًا للتأليفِ والجماعة - سلَّمَ الإمرةَ لعمرو وجمعَ الكلمة (?).
عبادَ الله: وحين يُوصي العلماءُ والدعاةُ وطلبةُ العلم بالحرصِ على الائتلاف ودفع الاختلاف بكلِّ وسيلة، فلا يعني ذلك تميعَ الدين أو السكوتَ عن الحقِّ