شعاع من المحراب (صفحة 2415)

إنها مَلَكةُ الحكمةِ في الدعوة، والمهارةُ في الحوار، والقدرةُ على الإقناع، وليست سفسطةً، ولا جدلًا عقيمًا، أو ترفًا فكريًّا .. ففرقٌ بين هذا وذاك! !

أيها المسلمون: ومما يعين على الائتلاف التحذيرُ من الباطل دون التصريح بالمبطِلين، إلا إذا دعتِ الحالُ للتصريح، ذلك أن التعريفَ بالضلال تعرية لأهلِه، وقد يعودُ صاحبُ الضلالِ إلى الحقِّ إذا لم يُشهَّرْ به، والعلماءُ يقولون: ليس كلّ ما يُعلم مما هو حقٌّ يُطلبُ نشرُه .. لا سيما إن كان نشرُه يثيرُ فتنةً.

ومن سُبلِ التأليف مخاطبةُ الناس بما ينفعُهم وعلى قدر عقولِهم، وفي هذا يقول عليٌّ رضي الله عنه: «حدِّثوا الناسَ بما يعرفون، ودعوا ما ينكرونَ، أتحبونَ أن يُكذَّبَ اللهُ ورسولُه». وعن ابن مسعود رضي الله عنه: «ما من رجلٍ يُحدّثُ قومًا حديثًا لا تبلُغه عقولُهم، إلا كان فتنةً لبعضهم».

ويُعدد الغزاليُّ من وظائفِ المعلم المرشِد: أن يقتصرَ بالمتعلِّم على قدْر فهمِه، فلا يُلقى إليه ما لا يبلُغه عقلُه فيُنفِّره، وكذلك قيل: كِلْ لكلِّ عبدٍ بمعيار عقلِه، وزنْ له بميزانِ فَهمِه، حتى تسلمَ منه وينتفعَ بك، وإلا وقعَ الإنكارُ لتفاوتِ المعيار (?).

على أن مما يوقعُ في الفرقةِ والخلافِ التعالمُ والتبجحُ بذكر المسائل العلميةِ لمن ليس من أهلِها، أو ذكرُ كبارِ المسائل لمن لا يحتملُ عقلُه إلا صغارَها، فمثلُ هذا يوقعُ في مصائبَ ونفرةٍ وخلافٍ؛ كما قررَ أهل العلم (?)، فليحذر منه.

أيها المسلمون: ومن قواعدِ الائتلاف الإنصافُ بالموازنةِ بين المصالحِ والمفاسدِ، فإسلامُ كافرٍ على يد مبتدعٍ أولى من بقاءِ الكافر على كفرِه. وتوبةُ فاجرٍ بسماعه أحاديثَ ضعيفةٍ خيرٌ من بقائه على فجوره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015