"واعلم -وفقك الله تعالى- أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها وثقات الناقلين لها من المتهمين، ألا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه -يعني ثقة رواته- والستارة في ناقليه -يعني الصيانة، صيانة النفس عما يخرم التقوى والمروءة، وليس المراد بذلك قبول حديث المستور في اصطلاح المتأخرين؛ لأن المستور ضرب من المجهول، نوع من المجهول، فلا يقبل حديثه إلا ما عرف صحة مخارجه والستارة في ناقليه- وأن يتقي منها -يعني يجتنب- ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع -هذا مذهبه في المبتدع المعاند المصر على بدعته، الداعي إليها؛ لأنه قيد أهل البدع بالمعاندين، ومن أهل العلم من يرى عدم الرواية عن المبتدعة أصلاً كمالك وبعض العلماء؛ لأن الرواية عنهم شهر لهم ولمذاهبهم، ومن أهل العلم من يرى الرواية عن المبتدع الذي لا يدعو إلى بدعته، وهذا نقل عليه ابن حبان الاتفاق، ومنهم من يروي عن المبتدع الذي لا يجيز الكذب، ويتفق مع أهل السنة في تحريم الكذب؛ لأن مدار الرواية على الصدق في القول، ولذا يخرجون في الصحيحين وغيرهما لهذا الضرب من المبتدعة، أولاً كونهم غير دعاة، وأيضاً لم يعرفوا بكذب، والمعاندين من أهل البدع- والدليل على أن الذي قلنا هو اللازم -من هنا بيانية على كل حال سيأتي الخلاف في رواية المبتدع مفصلاً في الألفية -إن شاء الله-.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015