وذكر من ذلك عذاب القبر ونعيمه، وعذاب القبر وارد ومتواتر في النصوص لا مجال للكلام فيه، وهو عذاب حقيقي كما ورد في النصوص، يكون فيه ضرب، ويكون فيه إيذاء وإيلام لروح الإنسان وجسمه، هذا بالنسبة لمن يُعذّب.
كما أنه يدخل في ذلك الأمور التفصيلية التي وردت في النصوص من شكل الضرب للمعذبين نسأل الله السلامة، كل ذلك حق وإن كان لا يخضع لموازين الناس في الدنيا، فأهل القبور يحصل لهم ما يحصل من الأمور التي وردت دون أن نقيس ذلك بموازين الدنيا زماناً ومكاناً وأحوالاً، وكذلك النعيم نسأل الله أن يجعلنا جميعاً ممن ينعمون في قبورهم نعيم القبر حق جملة وتفصيلاً، فالمؤمن ينعّم ويرى منزله في الجنة، ويؤانسه عمله، ويرى ما يسعده، وتأتيه الملائكة بما يفرحه، ويُفسح له في قبره مد بصره، إلى آخر ذلك من الأمور الغيبية التي لا بد أن نؤمن بها ولا نخضعها للمقاييس المادية التي جعلت كثيراً من العقلانيين والفلاسفة وأهل الريب والشك يطعنون في أحاديث نعيم القبر وعذابه؛ لأنهم يقولون نرى القبور بعضها بجنب بعض ما بينها إلا بضعة أشبار، بل ونجد آلاف القبور في مكان واحد، فلا يمكن أن يتأتى مع هذا العذاب والنعيم نقول: هذه مقاييسكم في الدنيا، وعذاب القبر ونعيمه يخضع لأمور الآخرة.
فهذه الأمور غيبية لا حق للإنسان أن يفصّل فيها بأكثر مما ورد، ويجب أن يسلم بها كما جاءت لأنها متعلقة بقدرة الله عز وجل، وقدرته لا حد لها، ومتعلقة بخبر الله وخبر الله لا يجوز أن يناقش على وجه التشكيك.
وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر، وأمر بالاستعاذة منه في كل صلاة.
وفتنة القبر حق، وهي السؤال وما يستتبعه من عرض العمل عليه، وكون الإنسان يأتيه عمله ويقول له ما يقول، يرى منزله في الجنة إن كان من أهل الجنة، ويرى منزله من النار إن كان من أهل النار نسأل الله أن يعافينا من النار.
والسؤال ثابت قطعاً من الملكين، لكن منكر ونكير يتوقف ثبوتهما على ثبوت الحديث، والراجح أن الحديث في تسمية منكر ونكير صحيح، وعلى هذا فإن السؤال ووجود الملكين اللذين يسألان كل إنسان في قبره مقطوع به، لكن تسمية الملكين بمنكر ونكير هو الذي ورد في حديث لم يوصله بعض أهل العلم إلى درجة الصحة، فمن هنا قال: نؤمن بالملكين لكن لا يلزم أن نؤمن باسم الملكين منكر ونكير.
والصحيح والراجح أن الحديث ثابت في اسمهما، أما ثبوت الملكين فهو أمر قطعي.
والملكان يسألان الإنسان عن دينه، وعن نبيه، وعن عمله، وعن ربه، وعن أمور أخرى تتعلق بالدين، وذلك حق لا شك فيه.
وكل إنسان يتعرض للحياة البرزخية، أي لفتنة القبر، وسؤال منكر ونكير، حتى ولو لم يدفن في الأرض، فعذاب القبر ونعيمه ثابت، وأحوال القبر ثابتة لكل ميت من بني الإنسان سواء مات ودفن في الأرض، أو أكلته الطير، أو سحقته السواحق، أو ذرته الريح، أو أحرقته النار فكان رماداً، أو اندمج في بطون الوحوش أو بطون الأسماك أو غيرها، فإنه لا بد أن يتناوله عذاب القبر ونعيمه بقدرة الله عز وجل، لا يسلم من ذلك أحد.