ثم ذكر ما يدل على أن الإيمان يزيد وهو قوله تعالى: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران:173]، وكذلك قوله عز وجل: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا} [الفتح:4]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه برة أو خردلة أو ذرة من الإيمان) والبرة والخردلة والذرة من الأمور المحسوسة مُثّل بها الإيمان تمثيلاً، ذلك أنه في يوم القيامة يوزن الإيمان كله القلبي منه والعملي، ويكون له وزن تتحرك به الموازين خفة وثقلاً، وهذا دليل على أن أصله يزيد وينقص حتى وإن كان قلبياً، فجعله متفاضلاً يفضل بعضه بعضاً من حيث الوزن، ومن حيث القدر، ومن حيث الأجر ولو كان كما يقول المرجئة على مستوى واحد لما تفاضل الناس فيه.
المرجئة يزعمون أن الإيمان في قلوب المؤمنين على مستوى واحد، ذلك أنه عندهم مجرد التصديق، فعلى هذا يستوي إيمان أفضل الخلق مع أدنى الخلق، ولا يزيد ولا ينقص، وهذا خطأ ينافيه الجزاء على هذه الأمور الإيمانية، فالجزاء إنما هو مبني على مثاقيل الإيمان، والإيمان يزيد وينقص، بمعنى: يثقل ويخف في الدنيا والآخرة، هذا أمر.
الأمر الآخر: أنه ذكر شيئاً من مسائل الإيمان هنا، وترك أشياء بناء على أنها تدخل بالتبع، ذكر تعريف الإيمان وهو أنه القول باللسان والعمل بالأركان والعقد بالجنان، وقلت إن السلف كان يختصرون هذا التعريف بقولهم: الإيمان قول وعمل، والقول هو قول اللسان، والعمل عمل القلب وعمل الأعضاء، وذكر أيضاً الزيادة والنقصان.