ثم ذكر الآية وذكر بعدها وجه الاستدلال، فجعل عبادة الله تعالى وإخلاص القلب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كله من الدين وهذه الأمور تشمل الأمور القلبية وأمور الجوارح، فإخلاص القلب أمر يتعلق بالتصديق ويتعلق بعقد الجنان، وإقام الصلاة يتعلق بالأعمال الظاهرة، كما أنه يتعلق بالأعمال الباطنة وهو الخشوع فالخشوع قلبي وهو يزيد الإيمان، وهناك خشوع للجوارح وهو يزيد الإيمان، وكذلك حركة أعمال الجوارح تزيد الإيمان، وكذلك إيتاء الزكاة.
إذاً فالدين ليس الأمور القلبية فقط، بل حتى الأعمال الظاهرة.
ثم ذكر الحديث: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) وهو عمدة أدلة أهل السنة على أن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان، وقد أفرد الأئمة للأدلة على ذلك كتباً تعد بالمجلدات، ومن أفضلها لطالب العلم كتاب تعظيم قدر الصلاة للمروزي، وكذلك كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية.
في هذا الحديث ذكر ما يدل على أن الإيمان شعب تعد عدداً، وذكر من هذه الشعب بعض الأعمال القلبية، وما يجمع بين الأعمال القلبية وأعمال الجوارح، وما هو من أعمال الجوارح، وكلها سماها الرسول صلى الله عليه وسلم إيماناً، فقال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله) وشهادة أن لا إله إلا الله تشمل المعنى القلبي، وتشمل قول اللسان، وقول الجوارح، فالمعنى القلبي هو الإقرار، وقول اللسان هو النطق، وعمل الجوارح هو عمل اللسان الذي هو الحركة، أعني حركة اللسان بلا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فلذلك قال أهل العلم: إن الإنسان الذي يذكر ربه بقلبه ولسانه يعد أعظم أجراً من الذي يذكر ربه بقلبه فقط، ولذلك ردوا على أوائل الصوفية ومتأخريهم الذين زعموا أن الأعمال القلبية أفضل من أعمال الجوارح، بل الأفضل هو ما يجمع بينهما، فيجمع بين خضوع القلب لله عز وجل وخشوعه والمحبة له والخوف والرجاء منه، ويجمع مع ذلك العمل الذي أمر الله به.
ثم قال: (وأدناها) أي أدنى شعب الإيمان، (إماطة الأذى عن الطريق) وإماطة الأذى أمر عملي، ولذلك فإن عمل هذه الشعبة يزيد في الإيمان، وتركها ينقص الإيمان؛ لأنها جزء من البضع والسبعين شعبة، فجعل القول والعمل من الإيمان.