الضحك صفة من صفات الله جل في علاه، وهي من الصفات الثبوتية الفعلية التي ثبتت لله بالكتاب والسنة وإجماع أهل السنة.
ثبتت في الكتاب لأن الله تعالى قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7].
أما في السنة فقد جاءت هذه الصفة تصريحاً من النبي صلى الله عليه وسلم بأنه وصف ربه بالضحك، حيث ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة) وهذا فيه دلالة واضحة على أن الله يضحك؛ لأنه أضاف الفعل لله جل في علاه، فالله يضحك، ولكن لا يضحك الله كضحك المخلوق، وضحك الله صفة ثابتة له تليق بجلاله وكماله سبحانه، وضحكه سبحانه غير ضحك المخلوق؛ لأن المخلوق إذا ضحك تعجب، أو ضحك من أسباب يجهلها.
أما الله جل في علاه يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون، وهو يضحك بكيفية يعلمها الله، فنحن نفوض علم الكيفية لله جل في علاه، فإذا سألك سائل وقال: تؤمن وتعتقد بأن ربك يضحك؟ تقول: نعم، أؤمن وأعتقد في قلبي اعتقاداً جازماً بأن ربي يضحك، وضحك الله جل في علاه يليق بجلاله.
فالضحك في اللغة معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن الكيفية بدعة، وهذا هو الإيمان الصحيح الذي آمن به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا علم العبد أن الله يضحك فإنه لا بد أن يعتقد اعتقاداً جازماً بلوازم هذا الضحك، فإن الله جل في علاه يضحك للبشر، وإذا ضحك الله لعبد من عباده فقد أراد له الخير؛ لأنك إذا رأيت عبداً من عباد الله يضحك لك في وجهك إذا كلمته، أو إذا طلبت منه شيئاً فضحك لك؛ فأنت ستستبشر خيراً بأن مطلوبك سيتحقق، فما بالكم بالله جل في علاه؟ والقياس بين الله وبين عباده ثلاثة أنواع: قياس علة، وقياس شبه، وقياس جلي، وكل هذه القياسات باطلة بين الله وبين المخلوق إلا القياس الأول: قياس علة، فكل كمال يوصف به العبد فالله أولى به وأكمل جل في علاه.
والغرض المقصود: أن صفة الكمال هي لله جل في علاه، فقولنا: إذا كان البشر يضحكون فإنه إذا ضحك لي شخص فإني أستبشر خيراً من ضحكه، فمن باب أولى أن نستبشر بضحك الله جل في علاه، ففي الحديث: أنَّ رجلاً كافراً قاتل رجلاً مسلماً فقتله، فالمقتول شهيد، وقد كتب الله الجنة للشهيد، وقد ضحك الله إلى هذين الرجلين؛ لأن الرجل الذي قتل دخل الجنة، والقاتل نفسه أسلم بعدها، فقاتل فقتل في سبيل الله جل في علاه.
فإذا ضحك الله فإن المرء يدخل الجنة بضحك الله وإثابته لعبده؛ ولذلك فإنه يتسامح في تراجم الأسانيد؛ ولذلك ورد في حديث الرجل الذي يدخل بين الصفين أن رجلاً قام فقال: (يا رسول الله! يضحك ربنا؟! قال: يضحك ربنا، قال: إذاً: لن نعدم خيراً من رب يضحك، قال: ما الذي يضحك الرب؟ قال: أن تدخل وتخلع لأمتك وتدخل بين الصفين تقاتل حتى تقتل مقبلاً غير مدبر) فدخل الرجل وهو يعتقد: أن ربه يضحك، وإذا أضحك هذا الرجل ربه فإن الرجل إثابته عند الله تكون عظيمة، فإذا اعتقد المرء بأن ربه يضحك فإنه سيأخذ بأسباب ضحك الله، وأسباب ضحك الله جل في علاه هي الطاعة المنقادة والجهاد في سبيل الله، وهي التقدم نحو أعداء الله بشجاعة وبسالة دون تراخ ودون تقاعس، فهذا هو الذي يثيب المرء، بتقدمه لله جل في علاه، فيضحك الله من فعله فيثيبه بالجنات.