والآية تضمنت إثبات جميع المراتب: الكتابة، والعلم، والمشيئة، والخلق: فقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22] الضمير في قوله (نبرأها) للعلماء فيه أقوال: منهم من يقول إنه يعود إلى المصيبة، لقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22] أي: من قبل أن نبرأ المصيبة، أي: من قبل أن نوجدها، وهذا يدل على الخلق والمشيئة.
وقيل: يعود الضمير على الأرض، فقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22] أي: من قبل أن نبرأ الأرض، وهذا يدل عليه حديث عبد الله بن عمرو: (إن الله سبحانه وتعالى كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) .
القول الثالث في ضمير (نبرأها) : إنه يعود على الأنفس، أي: من قبل أن نبرأ الأنفس، أي: نخلقها، وهذا مطابق لحديث عبد الله بن عمرو ولحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، وغيرهما من الصحابة الذين أخبروا بالتقدير قبل الخلق، وأن الملك يؤمر بأربع كلمات، ثم ينفخ فيه الروح، وهذه الأربع الكلمات هي قبل الخلق؛ لأن نفخ الروح جاء بعدها، فأي هذه الأقوال الثلاثة أرجح؟ من حيث النظر أرجحها الأخير؛ لأن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وأقرب مذكور هو الأنفس قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22] فأقرب مذكور هو الأنفس، وقال ابن القيم رحمه الله: إنه يصلح أن يكون الضمير عائداً إلى كل ما تقدم، ثم قال: وهو أحسن، فيكون قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} أي: من قبل أن نخلق المصيبة، ومن قبل أن نخلق الأرض، ومن قبل أن نخلق الأنفس، وكل هذه المعاني صحيحة دل عليها الكتاب والسنة، فتحمل الآية على جميع هذه المعاني.