قال رحمه الله: (وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} [الأنعام:125] ) هذه الآية فيها إثبات الإرادة لله جل وعلا، وهي هنا الإرادة الكونية الخلقية؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذكر فيها إرادة الهداية وإرادة الضلال، وما الذي ينتظم هذين النوعين من الإرادة؟ الإرادة الكونية هي التي تنتظمهما؛ لأن هذه الإرادة يصدر عنها كل شيء يحدث في الكون من صلاح وفساد، وهداية وضلال، وخير وشر، فهذا النوع من الإرادة هو الذي يسمى بـ (الإرادة الكونية) وهي: بمعنى المشيئة.
ونظير هذه الآية قوله تعالى: {مَنْ يَشَأْ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام:39] ، فإنه مطابق لمعنى هذه الآية، حيث ذكر الله مشيئته للهداية ومشيئته للإضلال، وهنا ذكر إرادته للهداية وإرادته للإضلال، فالإرادة هنا هي المشيئة هناك، فيكون المعنى: ما من شيء في الكون إلا بإرادة الله عز وجل، وهذه الإرادة هي الكونية.
الإرادة الثانية هي: الإرادة الشرعية، مثالها قوله تعالى: {إنما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب:33] وقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء:27] .
فهذه الإرادة المذكورة في هاتين الآيتين هي الإرادة الشرعية.
وما الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية؛ لأن هذه المسألة هي التي يسلم الإنسان بمعرفتها من الضلال فيما يتعلق بباب القدر؟ الإرادة الشرعية تتعلق بالمحبة والرضا، فلا يريد الله إلا ما يحبه ويرضاه، وأما الإرادة الكونية فلا تتعلق بمحبة الله ورضاه بل هي متعلقة بكل واقع في الكون من خير أو شر، ومن صلاح أو فساد وغير ذلك، هذا هو الفرق.
وهناك فرق آخر بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية، وهو: أن الإرادة الشرعية غير لازمة الوقوع، فيحتمل أن لا تقع، فالله عز وجل يريد من الناس أن يعبدوه كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] ، فالعبادة مرادة لله من جميع الناس، ولكن هل حصلت منهم جميعاً؟ لم تحصل كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن:2] ، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود:118] أي: فمنهم مؤمن ومنهم كافر، فالإرادة الشرعية غير لازمة الوقوع، فقد تقع وقد لا تقع.
فإذا قيل: من أي أنواع الإرادة أمر الله عز وجل الناس بالصلاة؟ ف
صلى الله عليه وسلم من الإرادة الشرعية؛ وكيف عرفنا أنها من الإرادة الشرعية؟ الجواب: لأنه مما يحبه الله ويرضاه؛ ولأنه قد لا يقع، فكثير من الناس لا يصلي كأهل الكفر وبعض من هو مسلم يترك الصلوات أو بعضها.
والمقصود: أن الإرادة الشرعية تتميز بميزتين: أولاً: أنها محبوبة لله عز وجل مرضية.
ثانياً: أنها غير لازمة الوقوع.
أما الإرادة الكونية فهي لا تتعلق بالمحبة، وإنما تتعلق بكل شيء في الكون، هذا فرق.
والفرق الثاني: أنها لازمة الوقوع، فلابد أن تقع، ولا يمكن أن تتخلف.