قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن قيل: فقد يقول الرجل لغيره: بحق الرحم، قيل: الرحم توجب على صاحبها حقاً لذي الرحم كما قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء:1].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرحم شجنة من الرحمن، من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله).
وقال: (لما خلق الله الرحم تعلقت بحقوي الرحمن وقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى قد رضيت).
وقال صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: أنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته).
وقد روي عن علي أنه كان إذا سأله ابن أخيه بحق جعفر أبيه أعطاه لحق جعفر على علي.
وحق ذي الرحم باق بعد موته كما في الحديث أن رجلاً قال: (يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم! الدعاء لهما والاستغفار لهما، وإنفاذ وعدهما من بعدهما، وصلة رحمك التي لا رحم لك إلا من قبلهما).
وفي الحديث الآخر حديث ابن عمر رضي الله عنهما: من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي.
فصلة أقارب الميت وأصدقائه بعد موته هو من تمام بره].
يقصد الشيخ بهذا أن هناك عبارة يستعملها كثير من الناس قديماً وحديثاً، وتشتبه بالتوسل البدعي في ظاهر لفظها، وهي كأن يقول إنسان لأحد أقاربه: أسألك بحق الرحم أن تعطيني، أو أن تزورني، أو بحق الرحم أن تفعل كذا وكذا فهذا أولاً ليس بقسم ولا استشفاع إنما هو سؤال بحق مشروع، وهو حق القرابة التي فرضها الله عز وجل بين ذوي الرحم من وجوب الصلة والعناية فيما بينهم، فإن الله عز وجل شرع للأقارب حقوقاً، والأقربون أولى بالمعروف، فمن هنا يسأل بهذا الحق ما كان من مصالح العباد فيما بينهم، ولا يسأل به شيء من أمور الآخرة ولا من الثواب وغيره، وليس هو من باب القسم، بل هو حق شرعه الله، فلذلك أجازه كثير من أهل العلم؛ لأن المقصود به العمل بما شرعه الله من الحقوق بين ذوي الأرحام، فمن هنا هذه العبارة في الغالب أنها جائزة وليست من باب التوسل البدعي ولا من باب القسم بغير الله.