ومن مؤشرات المحبة أيضاً: أن القرآن إذا قرئ فالقلب يقشعر.
أخ يسألني بالتلفون: يا سيدنا الشيخ! ما هو صفاء القلب؟ فقلت له - مع فارق القياس -: عندما تكون بارداً ويحصل لك قشعريرة وهزة، وسيحصل كذلك لقلبك، مثلاً عن صلاة القيام، فستشعر بهزة فتفرح بالجنة، وتخاف من النار.
مثل المؤشر عند الحيوانات العجماء، انظر الثور في المزرعة لو وخزوه بإبرة فسيذهب المؤشر ناحية الشمال، ولو جوعوه وأتوا له بالأكل فالمؤشر سيتحرك ناحية اليمين، فالثور فرح للأكل فهذا دليل أن القلب كذلك، أي: عند ذكر الجنة يذوب شوقاً وعند ذكر النار يموت خوفاً، وحاله بين الخوف والرجاء، قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9].
أما فارغ القلب من محبة الله والشوق إليه والأنس به فلا خير فيه؛ لأن ربنا يدعونا إلى الخير، وإلى أن نستعين به سبحانه، قال في الحديث القدسي: (ألا من تائب فأتوب عليه، ألا من سائل فأعطيه، ألا من مستغفر فأغفر له؟)، حتى يطلع الفجر.
ولذلك قلنا: ليس العجب من فقير يتقرب إلى غني، ولكن الأعجب من ذلك غني يتودد إلى فقير، وليس العجب أن يتقرب الضعيف إلى قوي، ولكن الأعجب أن يتقرب القوي إلى الضعيف، وليس العجب أن يتقرب الذليل إلى العزيز، ولكن الأعجب أن يتودد العزيز إلى الذليل! فالفقير يتقرب من الغني لكي يأخذ منه، والغني يتقرب للفقير لماذا؟! وفي الحديث القدسي: (إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، أرزق ويشكر غيري، خيري إلى العباد نازل، وشر العباد إلي صاعد، أتودد إليهم بالمغفرة وأنا أغنى الأغنياء عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أشد ما يكونون حاجة لي، أهل ذكري أهل شكري، أهل طاعتي أهل محبتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، من تاب إلي منهم فأنا حبيبه، ومن لم يتب فإني غني عنه، الحسنة عندي بعشر أمثالها قد أزيد، والسيئة عندي بواحدة وقد أعفو، وأنا إليهم أرحم من الأم بأولادها).
تأمل معي قوله تعالى: (هل أتودد إليهم بالمغفرة وأنا أغنى الأغنياء عنهم)، فالله يتودد كما قال: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج:14]، وقال: من جاءني منهم تائباً تلقيته من بعيد: مرحباً بالتائبين، ومن ظهر منهم عاصياً ناديته من قريب: إلى أين تذهب؟ أوجدت رباً غيري أم وجدت رحيماً سواي؟ هل تاجرت مع الله وخسرت؟ والله إن الخسارة كل الخسارة أن تتاجر مع غير الله، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [الصف:10 - 11]، هذا أول شرط، وهو الإيمان العملي، لا الإيمان النظري.
فنطلب القرب من خط رسول الله صلى الله عليه وسلم.