سبق الأكياس بما وقر في قلوبهم

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم.

الأكياس: جمع كيَّس، والكيس هو الفطن.

فالمؤمن كيس فطن، وليس كيس قطن، كما أن المؤمن مثلما قال سيدنا ابن عمر: من خدعنا بلله انخدعنا له.

فإذا دخل علي بالله سبحانه وتعالى فإني أصدقه، فمن خدعنا بالله انخدعنا له، لكن هو إذا خدعنا بالله واستغل هذا الخداع فإنما يخدع نفسه؛ لأن المخادع في النار يوم القيامة؛ لأنه يستغل الدين لكي يخدع الناس والعياذ بالله رب العالمين، وطالما كان في الدنيا مغفلون فالمحتالون بخير، وهذا مثل معروف.

يقول أبو الدرداء: يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم.

يريد أن يفسر حديث: (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا التعب والنصب)، يعني: يقف يصلي بالليل ويمن على الله أو يرائي، فالنوم أحسن.

وكذلك الصائم الذي يصوم عن الأكل والشرب، ولكن لا يصوم عن أعراض الناس ولا يصوم عن المال الحرام، فلو أنه أفطر لكان ذلك أحسن.

والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين، فالإنسان المغتر لو عمل جبالاً من العبادة لا تنفعه.

يقول: إنما العبد يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته، لا ببدنه، والتقوى في الحقيقة تقوى القلوب لا تقوى الجوارح، فقد رأت السيدة عائشة مجموعة من الشباب يمشون قد طأطئوا رءوسهم، فقالت: من هؤلاء؟ قالوا لها -نساك أي: عباد- فقالت: رحم الله عمر بن الخطاب؛ كان إذا مشى أسرع وإذا قال أسمع وإذا أطعم أشبع، وإذا ضرب أوجع وكان هو الناسك حقاً رضي الله عنه، فكان يمشي رافعاً رأسه وليس مطأطئاً لرأسه أبداً، ورغم ذلك كان قلبه رحيماً رضوان الله عليه.

وقد قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32]، وقال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37]، وقال صلى الله عليه وسلم: (التقوى هاهنا) وأشار إلى صدره الشريف صلى الله عليه وسلم، فالكيس يقطع من المسافة بصحة العزيمة وعلو الهمة وتجديد القصد وصحة النية مع العمل القليل أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب والمشقة.

ولقد دخل الرسول صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفجر على زوجته جويرية فوجدها على مصلاها تسبح الله، وتقول: الحمد لله، ثم بعد ذلك: (الله أكبر)، فقال لها: ماذا تعملين؟ قالت: أسبح يا رسول الله! قال لها: من متى؟ قالت: من بعد ما انتهينا من الصلاة، قال لها: (لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015