يقول الإمام الترمذي في تعريف الحديث الحسن: هو الذي لم يتهم راويه بالكذب، ولا يكون حديثاً شاذاً، ويروى من غير وجه نحو ذلك.
قوله: (إن الحديث الحسن هو الذي لم يكن في إسناده راوٍ متهم بالكذب) هناك فرق بين راوٍ كذاب وراوٍ متهم بالكذب، وهناك فرق بين سارق ومتهم بالسرقة، فقوله: متهم بالسرقة، أي: لم تثبت عليه السرقة يقيناً، وإنما تدور الظنون والشوك حول أنه سارق، فكذلك الكذاب الذي يكذب في الحديث، فإن كان معلوم الكذب ومعلوم الرواية من جهة الوضع والكذب فهو كذاب، مثل ميسرة بن عبد ربه التراس الأكول، ذكره الإمام الذهبي في كتاب ميزان الاعتدال في الجزء الرابع، وذكر من أخباره العجب العجاب، فإنه كان رجلاً أكولاً، وكان يكذب ويستمرئ الكذب، لا يستحله، وإنما يستمرئه، وكانت غايته وهمه أن يأكل ويضع الحديث، وكان يزوق أسقف البيوت، فقيل: إنه ذهب يزوق سقف بيت، وكان يعمل في المطبخ فنظر فإذا به يجد طعاماً، وكان صاحب البيت قد صنعه لثلاثين، فنزل وأكله، ثم صعد ليكمل عمله وكأن شيئاً لم يكن، فدخل صاحب البيت وقال: ما هذا؟ لابد وأنه من عمل الجن، فكثر الكلام حتى عرفه واحد من هؤلاء الثلاثين، فقال: هل عندكم ميسرة؟! قالوا: نعم، قال: والله! إنه هو الذي أكل طعامكم، فقيل له: يا ميسرة! قال: نعم، قيل: أنت الذي أكلت الطعام؟ قال: نعم، فلم يصدق صاحب البيت، ما زال يظنه من باب الهزل، ففصل ميسرة النزاع فقال: أنا الذي أكلته، وإن لم تصدقوا فاتركوه ثانياً وجربوا، يعني: أنا مستعد أن تعيدوا الكرة وأعيد أنا ذلك.
ونذرت امرأة أن تشبع ميسرة، فأتت إليه تلك المرأة وقالت له: يا ميسرة! أنا نذرت أن أشبعك فاتق الله فينا، تقول تلك المرأة: فكان ما يكفي ميسرة يكفي سبعين نفساً.
وقوله: وإن لم تصدقوا فجربوا، يبين أنه يمكن أن يأكل أكل ثلاثين آخرين.
وألقى له رجل مائة رغيف فأكلها، ثم ألقى للفيل مائة رغيف فأكلها إلا واحداً، فهو بهذا يأكل أكثر من الفيل.
ونزل ميسرة عند قوم، فأخذوا حماره وذبحوه وشووه وقدموه له فأكله، فلما أراد الانصراف أعطوه ثمنه، وغير ذلك من قصصه، حتى إنه قيل له: يا ميسرة! كم يكفيك من الطعام؟ قال: من بيتي أم من بيت غيري؟ قال: من بيتك، قال: رغيف أو رغيفان، قال: فمن بيت غيرك؟ قال: اخبز واطرح.
ميسرة هذا وضع أحاديث في فضل سور القرآن سورة سورة، يعني: أنه وضع مائة وأربعة عشر حديثاً في فضل سور القرآن، فقيل له: يا ميسرة! ما الذي حملك على ذلك؟ قال: وجدت الناس انصرفوا عن كتاب الله إلى موطأ مالك، فأردت أن أصرفهم إلى كتاب الله، وهذه نية سليمة، لكنها لا تنفع؛ لأنه لا بد من استقامة العمل على المتابعة واقتفاء أثر الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهكذا كثير من أصحاب الفرق كالشيعة وغيرهم؛ فإن الشيعة وضعوا أحاديث عظيمة وكثيرة في فضل أهل البيت، وكل أسانيد الشيعة ممتلئة بالكذب والدجل وغير ذلك؛ ولذلك أهل السنة لم يعتمدوا أسانيد الشيعة مطلقاً؛ لأنهم يغلب عليهم الكذب.
المهم: هناك فرق بين الكذب الصريح والاتهام بالكذب، فهذا عندما يأتي ويقول: أنا وضعت، فهذا إقرار منه بالكذب، والإقرار سيد الأدلة، فإما أن يعرف الكذب بإقرار الكاذب، أو بالقرائن والشواهد التي تدل على أنه كذاب.
وإذا لم تكن هناك قرينة ولا شاهد يدل دلالة صريحة على أن هذا الرجل كذاب، ولكن الناس لا تطمئن إلى قبول روايته، فإن هذا يكون في حيز الاتهام، وعلامة الاتهام أنني لا أطمئن أبداً لحديثه ولا أرويه، وفي الوقت نفسه لا أثبت عليه الكذب صراحة، إذاً: هو يظل في دائرة الاتهام.
فهناك فرق بين الراوي الكذاب، والراوي المتهم بالكذب، فالكذاب حديثه موضوع، فإذا كان هناك إسناد فيه راوٍ حكم عليه أهل العلم بأنه كذاب أو وضاع -أي: يضع الحديث، ويختلقه، ويصطنعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم- فهذا الحديث حديث موضوع، وهو شر أنواع الأحاديث؛ لأن الكذاب شر أنواع التهم، أما إذا لم يثبت الكذب على الراوي فيبقى في مرحلة الاتهام، وهذا المتهم بالكذب لا أقول: إن حديثه موضوع، ولكني أقول: إن حديثه منكر، أو حديثه باطل، ففي كتب الرجال إذا قال الإمام الذهبي عن راوٍ: متهم؛ فإنما يتناسب هذا الحكم وهذا المصطلح أن تكون روايته باطلة أو منكرة، ولو أنك قلت: موضوع فقد غلوت؛ لأنه متهم فقط، وليس كذاباً.
فالإمام الترمذي يقول: الحديث الحسن: ألا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ومغزى كلمة الإمام الترمذي يعني: لا يكون كذاباً ولا متهماً، يعني: ممكن أن يكون سيئ الحفظ، ممكن أن يكون اختلط، ممكن أن يكون عنده غفلة أو نسيان أو وهم، أو يكون مستوراً أو مجهول الحال؛ كل هذه العلل تقصر وتقل عن مرتبة الاتهام، ولو كانت هذه العلل في الإسناد وأتى