تعريف الإمام الخطابي الذي يقول فيه: هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء.
لو نظرنا إلى هذا التعريف لوجدنا أنه يمثل اتجاهاًَ للتعريفات، ومعنى ذلك: أن كثيراً من التعريفات العشرين التي ذكرناها إنما تدخل وتنحصر في هذا التعريف، فهذا التعريف كالرائد لكثير من التعريفات في حد الحديث الحسن؛ ولذلك اخترنا في هذا الاتجاه التعريف الذي يشمل كثيراً من التعريفات، وهو تعريف الإمام أبي سليمان الخطابي رحمه الله.
قوله: (هو ما عرف مخرجه) هذا الكلام غير مانع؛ لأن الحديث الصحيح معروف المخرج أيضاً، بل وكذلك الحديث الضعيف معروف المخرج، ولكن شتان ما بين المعرفتين، فالحديث الصحيح معروف مخرجه من حيث توثيق رجاله وحفظهم وإتقانهم وسلامة رواية كل راو عن شيخه، واشتهاره بذلك الشيخ، فهذا أيضاً معروف المخرج، والحديث الضعيف معروف المخرج.
فإذا روى راوٍ معين عن شيخ، وهذا الراوي معلوم معروف بأنه ضعيف عن ذلك الشيخ على وجه الخصوص فيكون معروف الخرج، لكنه ضعيف، كمن يروي من غير عبد الله بن يزيد المقري، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب المصري عن ابن لهيعة؛ فإن هؤلاء الثلاثة معروف أن روايتهم عن ابن لهيعة مستقيمة، وما عداهم روايتهم فيها نظر، فإذا كان الراوي عن ابن لهيعة من غير هؤلاء الثلاثة قيل: إنه معروف المخرج بالضعف، وأما إذا كان أحد الثلاثة العبادلة الذين ذكرناهم فإنه يقال: إنه معروف المخرج بالصحة والاستقامة.
وقتادة بن دعامة البصري إذا كان يروي عن أهل البصرة فمعروف أن حديثه على استقامة، وإن كان عن غيرهم فمعروف أن روايته فيها نظر؛ لأجل التدليس، لا لغيره.
مثال آخر في حديث قتادة: إذا كان الراوي عن قتادة شعبة فيستوي بعد ذلك أن يقول قتادة: (عن) أو (حدثنا)؛ لأن شعبة قال: أكفيكم تدليس قتادة، فما أتاكم من حديث قتادة عن طريقي فإنما هو من صحيح حديثه؛ لأن قتادة لم يكن يدلس في حضرة شعبة، فإذا ذهب شعبة بدأ يدلس على الموجودين، والتدليس أنواع.
وكذلك هشيم بن بشير كان يدلس أمام الناس جميعاً، لا يضره بعد ذلك أن يكون هناك طالب من الطلبة يختبر حديثه أم لا؟ وكان يدلس نوعاً من التدليس اسمه تدليس العطف، والتدليس حوالي ثمانية أنواع، فتدليس العطف اشتهر به هشيم بن بشير، فكان يحدث وهم ألوف مؤلفة بأحاديث كثيرة وعظيمة وهم لا يعترضونه، ففي آخر المجلس قال: فرغنا، هل دلست عليكم اليوم؟ قالوا: لا، ولا حديثاً واحداً، قال: والله! ما من حديث إلا وقد دلست فيه، قالوا: كيف؟ قال: إنما حدثتكم اليوم من أول المجلس إلى آخره بأن قلت: حدثنا فلان وفلان، حدثنا فلان وفلان، حدثنا فلان وفلان، فما قلت فيه: حدثنا فلان فهو حدثني، وما قلت فيه: وفلان، فلم يحدثني، أي: أنه عطف الرواية عن شيخه الثاني عليه هو، لا على لفظة (حدثنا).
يعني: الآن عندما أقول لك: حدثني فلان وفلان، فقولي: حدثني فلان، لا يحتمل إلا التحديث، إنما قولي: وفلان، يحتمل التدليس؛ ولذلك أهل العلم قالوا: من ألفاظ التدليس (وعن) في تدليس العطف بالذات، على اعتبار ما فعله هشيم، فـ هشيم قال: الواو لفظ من ألفاظ التدليس، وهو كقولك: حدثني فلان وفلان، فأنت لا تعطف الشيخ الثاني على الشيخ الأول الذي حدثك.
وهشيم فعل هذا ليثبت لطلبته أنهم لا يقدرون على التفريق بين ألفاظ التدليس، وليعلمهم، وإلا لو كان يريد أن يمرر حديثه لما بين لهم.
فقوله: (هو ما عرف مخرجه)، أي: الطريقة التي يروي بها الرواة بعضهم عن بعض، فإن كان هذا المخرج معروف الصحة فهو حديث صحيح لصحة المخرج، وأما إذا كان معروف المخرج بالضعف فهو ضعيف.
فقول الإمام الخطابي: الحديث الحسن: هو ما عرف مخرجه، هذا كلام غير مانع؛ لأن الصحيح كذلك معروف المخرج، والضعيف أيضاً معروف المخرج، فأنا عندما أقول لك: حدثنا فلان عن فلان، تقول لي: يا أخي هذا غريب جداً؛ ففلان هذا شيخك لا يروي عن ذلك الشيخ الذي يروى عنه، ولا هو معروف ولا مشهور بالرواية عنه، ففي هذه الحالة سأسميه: رواية غير معروفة المخرج.
أما إذا كان هناك شيخ ثقة يروي عنه تلميذ عرف بالملازمة والرواية عنه، فعندما أقول لك: حدثني فلان عن فلان؛ تقول لي: هذه رواية مقبولة؛ لأنه معروف عندك أن ذلك التلميذ إنما أخذ العلم عن ذلك الشيخ الثقة، فهذا معنى قولنا: حديث معروف المخرج.
وقوله: (واشتُهر رجاله)، وهذا الشرط الثاني، وهذا الكلام يرد عليه بما رد سابقاً على قوله: (ما عرف مخرجه)؛ لأن الرجل قد يكون مشهوراً إما بالصحة، أي: