فما هو تعريف الحديث الحسن لذاته؟ الحافظ ابن حجر في النزهة يعرف الحديث الصحيح فيقول: هو ما اتصل سنده بنقل العدل تام الضابط إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة.
فإن قال قائل: نحن في الحديث الحسن ولسنا في الصحيح، فأقول: أنا عرفت الصحيح حتى يتضح به الحسن.
يقول الإمام ابن حجر: (فإن خف الضبط فالحس لذاته)، أي: مع استكمال بقية الشروط.
إذاً: الفرق بين الحديث الصحيح الذي عرفه الحافظ ابن حجر وبين الحديث الحسن لذاته: الضبط، فإن كان الضبط تاماً في القمة فذلك الحديث صحيح، وإن خف الضبط -ولم ينعدم- فهو الحسن لذاته، والعلماء يعبرون عن كلمة (خف الضبط) بأن الراوي ينزل عن درجة (ثقة) إلى درجة: صدوق لا بأس به ليس في حديثه بأس، أو ليس فيه بأس، أو يعتبر بحديثه، أو صالح للاعتبار أو غير ذلك من الألفاظ التي ذكرها أهل العلم لبيان أن هذا الراوي نزل من أعلى الضبط إلى مستوى أقل قليلاً، ولم ينزل إلى الضعف ولم ينزل إلى سوء الحفظ والغفلة والاختلاط وغير ذلك، وإنما نزل درجة؛ لأن الضبط ثلاثة أنواع: ضبط أعلى، وضبط أدنى، وضبط وسط.
فالضبط الأعلى هو للحديث الصحيح.
والضبط الأدنى هو للحديث الضعيف.
والضبط الوسط هو للحديث الحسن، أي: الحديث الحسن لذاته.
فعندما يأتي إسناد كل رواته ثقات إلا راوياً واحداً صدوقاً، فالحديث حسن لذاته، فإذا كان الإسناد مكوناً من خمسة رواة، وكل منهم يروي عن شيخه، وأربعة منهم ثقات وواحد صدوق؛ ففي هذه الحالة سأقول عن هذا الحديث: إنه حسن لذاته، أي: أنه في أصله ليس ضعيفاً، ولا يحتاج أن يأتي من طرق أخرى؛ لأنه توافرت فيه شروط الحديث الصحيح إلا شرط الضبط؛ فإنه نزل عن درجة التوثيق إلى درجة الصدق والأمانة، فأقول عن راويه: هو صادق في الرواية، لا ثقة في الرواية، لم يكن عنده ضبط كامل وإنما خف الضبط قليلاً.
فالإمام الترمذي عرف الحديث تعريفاً يتناسب مع الحديث الحسن لغيره.
والإمام ابن حجر عرَّف الحسن لذاته.
والإمام ابن كثير ينكر أن هذا تعريف الترمذي، ويقول: إذا كان هذا تعريف الترمذي ففي أي كتاب؟ وبأي إسناد؟ وسبحان الله! كم ترك الأول للآخر؟ يأتي من بعد ابن كثير فيقولون: إن هذا في آخر كتاب العلل الذي في سننه، يعني: العراقي رد عليه وقال له: كيف لا تعرف هذا الكلام؟ هذا الكلام موجود في كتاب العلل للإمام الترمذي، صنفه الإمام الترمذي في آخر كتابه السنن، في آخر مجلد من كتاب السنن.
ثم يأتي الشيخ أحمد شاكر عليه رحمة الله قبل خمسين سنة ويقول: هذا الكلام ليس موجود في العلل فقط، بل موجود في السنن نفسها، فبعد حديث معين قال الترمذي: والحديث الحسن عندنا هو كيت وكيت، وذكر هذا التعريف، فكم ترك الأول للآخر؟