الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: من قبل قسَّمنا الحديث من حيث وروده إلينا -أي: بعدد طرقه- إلى متواتر وآحاد، وما كان منه مروياً بطرق غير محصورة فهو المتواتر، وما كان منه محصوراً بطرق محددة فهو الآحاد؛ فإن كان مروياً بطريق فهو الغريب، وهو الفرد، وإن كان بطريقين فهو العزيز، وإن كان بثلاث طرق فهو المشهور؛ هذا التقسيم الأول.
ثم قسمنا بعد ذلك الآحاد من حيث القبول والرد إلى مقبول ومردود، وقلنا: إن المقبول هو الصحيح والحسن، والمردود هو الضعيف بجميع أنواعه.
وقسمنا هناك الصحيح إلى نوعين: صحيح لذاته ولغيره، وكذا الحسن: حسن لذاته ولغيره، وقد فرغنا -بحمد الله تعالى- من الكلام عن الصحيح لذاته، وقد فرغنا من الحديث الصحيح لذاته، فكان من الطبيعي أن نتعرض -بعد أن فرغنا منه- للحديث الصحيح لغيره، ولكننا نرجئ هذا النوع إلى ما بعد بيان ومعرفة ما هو الحسن لذاته، وإذا تبين لنا الحديث الحسن لذاته علمنا الصحيح لغيره من تلقاء أنفسنا.
أما الحسن لذاته فاختلف فيه أهل العلم اختلافاً عظيماً إلى أكثر من عشرين قولاً، كلهم جعلوا حداً وتعريفاً لمعنى الحسن، هذه التعريفات إما أنها جامعة غير مانعة، وإما أنها مانعة غير جامعة، ومرد هذه التعريفات المختلفة لأهل العلم في بيان حد الحديث الحسن وتعريفه إلى أمرين، ومن هذه التعريفات: