القاعدة الثانية: إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل السنة والجماعة على أن العمل من الإيمان.
هذا الإجماع نرد به على المرجئة الذين يقولون: لا علاقة للعمل بالإيمان، ويقولون: إن إيمان أفسق الناس كإيمان جبريل وميكائيل، وهذا كلام في غاية البطلان والتهافت والسقوط؛ وذلك لأن الإيمان عندهم هو التصديق، فإن قيل: لماذا وقع المرجئة في هذا؟ أقول: للخلل في معرفة حقيقة الإيمان، فإذا بالمرجئة يقولون: هذا الإيمان ليس قولاً ولا عملاً ولا يزيد ولا ينقص، إنما هو التصديق، فإذا صدق المرء بقلبه، ويا حبذا لو نطق ذلك بلسانه؛ فقد ثبت له الإيمان الكامل وإن لم يعمل شيئاً، أي: وإن ترك الصلاة والصيام والزكاة والحج، وارتكب جميع الموبقات، قالوا: لأن العمل خيره وشره ليس من الإيمان، ولا علاقة له بالإيمان، فأخرجوا العمل عن مسمى الإيمان وعن حقيقة الإيمان، فسواء عمل هذا المصدق الطاعة أو ارتكب المعصية فسيان، وعند المرجئة لو أن العامل أو المؤمن عمل صالحاً وانتهى عن السيئات فهذا فضل منه، يعني: يثاب على ذلك فوق الكمال والتمام، وهذا بلا شك تجن وتأل على الله عز وجل.
نحن قلنا من قبل: إن الإجماع من مصادر التشريع، ويا حبذا لو كان هذا الإجماع هو إجماع الصحابة، فلا يجرؤ أحد أن يطعن في الإجماع، خاصة إجماع الصحابة؛ لأن إجماع الصحابة محل اتفاق، فإذا أجمع الصحابة والتابعون على أن العمل من الإيمان كان هذا دليلاً في وجه الجهمية وفي وجه المرجئة في آن واحد؛ لأنهم أخرجوا العمل عن مسمى الإيمان.