القاعدة الثالثة: الكفر منه ما هو اعتقادي ومنه ما هو عملي، وضابط الكفر العملي والاعتقادي كذلك النص والإجماع؛ لأن بعض الناس تصور أن الضابط لمعرفة الناقض للإيمان -كفرياً أو عملياً- أن يكون هذا المنقوض متعلقاً بالإيمان، أو متعلقاً بالعمل؛ فهكذا اجتهد، وهذا كلام لم يقله أحد من أهل العلم، وإنما هذا من بنات أفكاره، والصواب: أن الضابط لمعرفة ما إذا كان هذا كفراً اعتقادياً أو عملياً، هو ورود النص أو وجود الإجماع المنعقد على أن هذا كفر عملي أو كفر اعتقادي.
النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (قتال المسلم كفر، وسبابه فسوق) هذا نص، فإذا قلت: هل هذا الكفر اعتقادي أم عملي؟ لابد أن أقول: إن هذا الكفر كفر عملي ليس مخرجاً من الملة، وذلك لوجود النص ووجود الإجماع، أما النص فقال الله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178]، فسمى الله تعالى القاتل أخاً: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ)، وقال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات:9]، فأثبت أن القتال يكون بين طائفتين من أهل الإيمان، فالقتال لم ينف عنهما صفة الإيمان، كذلك إجماع الأمة على أن المسلم إذا قتل صاحبه فلا يكفر بهذا القتل، وإلا لو كان كافراً للزم قيام الحد عليه ردة، لكن قيام الحد يكون قصاصاً، فالذي يقام عليه الحد قصاصاً هل يكون مرتداً أو كافراً؟ لا يكون كذلك، وانعقد الإجماع على أن قاتل المسلم لا يكفر بذلك.