دخول العمل في الإيمان واختلاف الأعمال في تأثيرها على الإيمان

والإيمان على هذا النحو يشمل العمل، وإذا كان الإيمان يشمل العمل فلابد أن يزداد وينقص على حسب عمل العامل، فإذا كان عاملاً بالطاعة ازداد إيمانه، وإذا كان عاملاً بالمعصية نقص إيمانه، فينقص ثم ينقص حتى لا يبقى منه شيء، وكما قلنا من قبل: إن دائرة الإيمان ضيقة في وسط دائرة عظيمة واسعة اسمها دائرة الإسلام، وإذا انتفى الإيمان عن العبد فلا يعني ذلك أنه قد خرج من الملة، وإنما يعني ذلك: أنه سقط من دائرة الإيمان إلى دائرة الإسلام.

وإذا قرأنا قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن)، علمنا أن نفي الإيمان هنا هو نفي للإيمان الواجب، فعندي أن الإيمان ثلاثة كما أن الأعمال ثلاثة، فارتباط الأعمال بالإيمان وارتباط الإيمان بالأعمال ارتباط وثيق، فإذا كان العمل متعلقاً بأصل الدين الذي إذا انتفى هذا العمل انتفى معه الدين، فهذا يدل على ردة من أتى هذا العمل، كمن سب الله تعالى، أو سب الشريعة، أو سب الرسول عليه الصلاة والسلام، أو استهزأ بآيات الله عز وجل، هذا كله عمل، فمن فعل ذلك خرج من الملة وارتد عن دين الإسلام بالكلية.

إذاً: نفي الإيمان هنا إنما هو نفي لما هو أصل الإيمان لا للإيمان الواجب، أما الإيمان المستحب أو المندوب فهو المتعلق بالسنن والنوافل وغيرها، كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: (ومن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة)، وقال: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به -أي: لا يسمع إلا بي، ولا يحب أن يسمع إلا ما يرضيني- وكنت بصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي به، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) إلى آخر الحديث.

فلو أن واحداً قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ فبلا شك أن هذا في الظاهر يثبت له الإسلام، فله ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين، لكن إن قال هذه الكلمة وهو يبغضها، أو لا ينقاد لها ولا يذعن لها، أو يشك فيها ويرتاب؛ فلا شك أنه عند الله منافق وإن ثبت له الإسلام ظاهراً، حتى وإن عمل ظاهراً بمقتضى هذه الكلمة ولكنه يشك فيها، أو لا يؤمن بها، أو قالها تعوذاً، فهذا شأن المنافقين.

إذاًَ: عندي تفريق بين مطلق الإيمان والإيمان المطلق، فمطلق الإيمان هو أصل الإيمان الذي إذا جاء ذكر النفي له فهو نفي لحقيقة الإسلام، أما الإيمان المطلق هو الإيمان الكامل التام، وإذا جاء ذكر لنفي هذا الإيمان فإنما هو نفي الكمال والتمام، ونفي الإيمان الكامل لا ينفي أصل الإيمان.

شخص يقتل، أو يزني، أو يسرق، أو ينتهب نهبة أو غير ذلك من المعاصي، فنقول له: أنت لست مؤمناً.

نعني: لست مؤمناً كامل الإيمان، أما قولنا: لست مؤمناً بمعنى أنه كافر فهذا لا يكون إلا فيما يتعلق بأصل الديانة، أو ارتكاب ما يخل بأصل الدين، أو عمل عملاً أثبت النص أن من عمله فقد خرج من الملة، أو انعقد الإجماع على ذلك، فإننا كما قلنا من قبل: إن هذه المسائل لابد أن يكون فيها نص أو إجماع، فإذا قال لي شخص: ما هو الفارق والضابط بين اعتباري لهذا العمل أنه من أصل الإيمان أو من الإيمان الواجب؟ سأقول له: الضابط لذلك أن يأتيني نص يثبت هذا أو إجماع انعقد على أن من فعل ذلك فقد ارتد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015