وظاهر الحديث أنه لا يدخل الجنة لأول وهلة مع الداخلين الأوائل: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمكذب بالقدر، فيكون معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة) أي: لا يدخل الجنة أولاً، والخوارج والمعتزلة أجروا هذه النصوص على ظاهرها فقالوا: لا يدخل الجنة، أي: لا يدخلها أبداً بل يخلد في النار؛ لأن الخوارج يكفرون صاحب الكبيرة، بل غلاة الخوارج يكفرون بالصغائر، وأنتم تعلمون أن الكبائر إن أقيم على صاحبها الحد فهو كفارته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الحدود كفارة لأهلها)، فمن أقيم عليه الحد في أمر قد استوجب الحد فالحد ينفي عنه ما كان منه، وإذا تاب إلى الله عز وجل تاب الله تعالى عليه، قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:70]، وإذا مات مصراً عليها غير مستحل لها فهو في مشيئة الله عز وجل: إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، هذا حكم الكبيرة عند أهل السنة والجماعة.
وأما الخوارج فقالوا: مرتكب الكبيرة يخرج من الملة ويكفر بكبيرته، ويخلد في النار مع المخلدين.
والمعتزلة قالوا: ليس مؤمناً ولا كافراً، هذا حكمه في الدنيا، وأما حكمه في الآخرة فهو مخلد في النار مع المخلدين، وهذا كلام لا دليل له؛ لأنه لا يخلد في النار إلا الكافر الأصلي والمنافق؛ لأنه عند الله كافر، ولكنه تجرى عليه أحكام الإسلام في الدنيا لإظهاره شعائر الإسلام، ونطقه بكلمة التوحيد، وأما هو في حقيقة الأمر فقد أبطن الكفر، والله تعالى مطلع على باطنه، فهو عند الله كافر مخلد في النار مع الكفار، فحينئذ يكون قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة عاق) أي: لا يدخل الجنة لأول وهلة، وإنما يدخلها بعد أن يطهر في النار، أو يعفو الجبار تبارك وتعالى.