قوله (بالاقتضاء) هذا جار ومجرور متعلق بفوله (خطاب الله تعالى المتعلق بالاقتضاء)، أخرج ما تعلق بفعل المكلف لا من حيث أنه مكلف به وإنما من حيثية أخرى، قوله جل وعلا: " والله خلقكم وما تعملون " هذا (خطاب الله تعالى متعلق بفعل المكلف) أليس كذلك؟ إذن يصدق عليه الحد إلى هنا، لكن هل هو مطلوب الفعل أو الترك أو مخير في الفعل والترك؟ لا، وإنما من حيثية اخرى وهي الإخبار بأن أفعال العباد مخلوقة، " يعلمون ما تفعلون " هذا خطاب الله المتعلق بفعل المكلف لكن لا من حيث أنه مكلف يعني مطلوب الفعل أو مطلوب الترك أو مخير بين الفعل والترك، وإنما من حيثية اخرى وهو أن الحفظة تعلم فعل أو أفعال المكلفين. " ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون " قالوا فيها ما قيل في الأول، إذن قوله: (بالاقتضاء أو التخيير) هذا مخرج لخطاب الله المتعلق بفعل المكلف لا من حيث غنه مكلف به بل من حيثية أخرى.
(بالاقتضاء) المراد بالاقتضاء هو الطلب، يعني يُطلب الفعل أو يُطلب الترك من المكلفين، وعليه نقول الطلب نوعان: طلب فعل إيجاد شيء، قم، افعل مثلا، طلب ترك، لا تفعل، وطلب الفعل هذا إما أن يكون على وجه الجزم أو لا. إذا طلب الشارع فعلا من المكلفين إما أن يطلبه على وجه الجزم والقطع بأن يرتب الوعيد على الترك، كقوله: " أقيموا الصلاة " نقول هذا خطاب الله تعالى متعلق بفعل المكلفين على جهة اقتضاء الطلب مع الجزم بحيث لا يجوز لهم ترك المأمور به، فإن تركوا تعلق بهم الوعيد. هذا يسمى: إيجابا. نفس النص " أقيموا الصلاة " يمسى إيجابا. طلب الفعل إن لم يكن مع جزم بأن جوز له ترك الفعل هذا يسمى ندبا والفعل الذي تعلق به الندب يسمى مندوبا. إذن هذان نوعان: إيجاب وهو حكم الشرع ن والفعل الذي تعلق به الإيجاب يسمى واجب، النوع الثاني الندب والفعل الذي تعلق به الندب يسمى مندوبا. هذا النوع الأول مطلوب الفعل.
الثاني: مطلوب الترك كقوله " لا تقربوا الزنا " هذا إما أن يكون مع الجزم أو القطع، بان رتب الوعيد والعقاب على الفعل، هذا يسمى تحريما، والفعل الذي تعلق به يسمى حراما أو محرما. فإن كان طلب الترك لا مع الجزم بأن جوز له ارتكاب الفعل ولم يرتب العقاب على الفعل هذا يسمى كراهة والفعل الذي تعلق به يسمى مكروها. إذن أربعة احكام دخلت في قوله (بالاقتضاء).
بقي الحكم الخاص، حكم تكليفي ن وهو الإباحة دخل بقوله (أو التخيير)، و (أو) هذه للتنويع والتقسيم وليست للشك، لأن (أو) التي للشك لا يجوز إدخالها في الحدود.
ولا يجوز في الحدود ذكر أو .. وجائز في الرسم فادرِ ما رووا
حينئذ نقول (أو) هذه للتنويع والتقسيم، (أو التنخيير) يعني استواء الطرفين؛ إن شئت فافعل وإن شئت فلا تفعل، نقول هذا حد الإباحة، إذن بهاتين الكلمتين (بالاقتضاء أو التخيير) نقول: شمل الحكمَ التكليفي بأنواعه الخمسة، أدخل الحكم التكليفي بأقسامه الخمسة. الحكم التكليفي – كما سيأتي – بالاتفاق أنه يشمل الإيجاب والتحريم، هذا لا إشكال فيه، وإنما وقع نزاع في الندب والكراهية، هل هما من الحكام التكليفية أم لا؟ الصواب أنهما من الأحكام التكليفية وسيأتي.