أما الدليل من الكتاب فقوله جل وعلا: " كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " هو ترك التناهي عن المنكر، وهذا ترك، فسماه فعلا " لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ " والصنع أخص مطلقا من الفعل. كل صنع فعلا ولا عكس، لأن الصنع فعل وزيادة، كونه على هيئة معينة، وإذا ثبت الأخص يستلزم ثبوت الأعم، حينئذ " لبئس ما كانوا يصنعون " نقول هذا أخص من مطلق الفعل، وثبوت أو إثبات الأخص يستلزم ثبوت أو إثبات الأعم.
من السنة قوله صلى الله عليه وسلم: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده "، قال " من سلم " وهو كف الأذى، كف الأذى إسلام أو لا؟ إسلام، ترتب عليه الثواب أو لا؟ يترتب عليه الثواب، حينئذ سمي الكف فعلا، سمي إسلاما.
أما من اللغة فقول الراجز، وهو من الصحابة:
لئن قعدنا والنبي يعمل .. لذاك منا العمل المضلَّلُ
(لئن قعدنا) يعني ترك مساعدة النبي في حفر الخندق، تركنا العمل مع النبي صلى الله عليه وسلم، (لذاك منا) الذي هو القعود (العمل المضلل) فسماه الصحابي (العمل المضلل) إذن هو فعل.
إذن نقول الفعل اصطلاحا: كل ما يصدر عن المكلف وتتعلق به قدرته، لماذ تتعلق به قدرته عنا؟ احترازا من المُلجأ الذي ألجئ إلى فعل ليس له قدرة واختيار في دفعه، أُخذ برمته وألقي من أعلى الشاهق على شخص فمات، هذا يثسمى المُلجأ، هل هو قاتل؟ لا ليس بقاتل بالإجماع، بالاتفاق أنه ليس مكلفا، فليس بآثم وليس بقاتل، فحينئذ نقول: هذا الذي لم تتعلق قدرته بالفعل، غير مراد هنا بالتكليف، لو قلنا مكلف لوجب إدخاله في الحد هنا (خطاب الله المتعلق بفعل المكلف). إذن الفعل في الاصطلاح هو المراد هنا في الحد: كل يصدر عن المكلف وتتعلق به قدرته من فعل أو قول أو اعتقاد أو نية أو كف. هذه خمسة اشياء.
المكلف قلنا نفسره بماذا؟ البالغ العاقل، ولا نقول المكلف من تعلق به التكليف؛ لأنه يلزم علينا الدور وهو ممتنع. من هو المكلف؟ من تعلق به الحكم الشرعي. والحكم الشرعي يتعلق بمن؟ بالمكلف، هذا يسمونه ماذا؟ الدور، وهذا ممتنع، إذا كان أحدهما لا يفسر إلا بالآخر يسمى دورا عنده.
قال (بفعل المكلف)، بعضهم يقول (بأفعال المكلفين) بالجمع، وهذا ليس بسديد، لماذا؟ لأن الحكم الشرعي قد يتعلق بفعل مكلف واحد، كخصائص النبي صلى الله عليه وسلم، زواجه بأكثر من أربع حكم شرعي أم لا؟ حكم شرعي، هل تعلق بأفعال المكلفين؟ ها؟ لا لم يتعلق بأفعال المكلفين، وإنما تعلق بفعل مكلف واحد. كذلك ما ورد من إجزاء الـ[ .. ] لأبي بردة في الأضحية هذا خاص به ولا يتجاوز إلى غيره على قول الجمهور. حينئذ (بفعل المكلف) نقول ناتي بالواحد ولا نأتي بالجمع للدلالة على أن بعض الأحكام الشرعية قد تتعلق بفرد واحد أو بفعل مكلف واحد كخصائص النبي صلى الله عليه وسلم.
قال (بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع) هذا ليبين لك أن الحكم الشرعي نوعان، حكم تكليفي وحكم وضعي. قوله (بالاقتضاء أو التخيير) هذا تضع بين قوسين أنه حكم تكليفي، (أو بالوضع) هذا حكم وضعي.