اعلم أولا أن الحكم الشرعي هذا يرد عند الفقهاء ويرد عند الأصوليين، فله مبحثان: مبحث فقهي، ومبحث أصولي، لماذا؟ لأن الأحكام الشرعية يثبتها الأصولي ويثبتها الفقيه أيضا، ولكن الأصولي يثبتها من حيث هي، والفقيه يثبتها من حيث تعلقها بأفعال المكلفين، ولكن النظر للحكم الشرعي من حيث هو عند الأصوليين، ومن حيث تعلقه بفعل المكلف عند الفقهاء. فحينئذ ترتب على هذا الاختلاف النظري، نظر الأصولي في الحكم الشرعي، ونظر الفقيه للحكم الشرعي، اختلفت عبارة الفقهاء مع الأصوليين في حد الحكم الشرعي. ولذلك حد الحكم الشرعي عند الفقهاء – كما عبر عن ذلك صاحب " مختصر التحرير بقوله – مدلول خطاب الشرع، خطاب الشرع الذي هو القرآن والسنة، مدلوه يعني الذي دل عليه، أثر خطاب الشرع هو الحكم الشرعي، مدلول خطاب الشرع هو الحكم الشرعي. فحينئذ قوله: مدلول، يعني ما دل عليه خطاب الشرع، هذا يشمل الأحكام الخمسة عند الفقهاء: الواجب والمندوب والمحرم والمكروه والمباح. خمسة أحكام دخلت في هذا الحد. ويشمل المعدوم والموجود، لماذا؟ لأن خطاب الشرع كما يتعلق – وإن كان هناك فلسفة لبعض المتكلمين، لكن نقول المسألة محسومة شرعا، الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: " وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ " إذن نحتاج أن نختلف؟ لا نحتاج أن يكون في المسألة خلاف لورود النص، هذا القرآن قانون عام لكل مكلف بشروط التكليف كما سيأتي، كل من وجد على وجه الأرض منذ أن نزل إلى أن تقوم الساعة فالقرآن حاكم عليه شاء أم أبى. فحينئذ نقول: قوله مدلول الشرع يشمل الأحكام الخمسة التكليفية عند الفقهاء، ويشمل المعدوم حين تنزل الخطاب، لكن بشرطه، المعدوم مخطاب لا شك في هذا، لكن مخاطب متى؟ بشرطه وهو إذا وُجد مستجمعا لشروط التكليف، يعني " أقيموا الصلاة " هذا موجه للصحابة، والمكلف منهم قد خوطب بهذا النص، من بعدهم مخاطب بهذا النص لقوله تعالى: " لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ "، لكن مطلقا لا، وإنما تعلق به الخطاب تعلقا معنويا، وهو أنه إذا وُجد وولد وساتكمل الشروط واستجمع شروط التكليف حينئذ تعلق به الخطاب. فقوله " اقيموا الصلاة " نقول متعلق بالمكلفين الموجودين ومتعلق أيضا بالمعدومين إذا وُجدوا مستجمعين لشروط التكليف. يسمى عن الأصوليين التعلق الأول (التعلق التنجيزي) إذا كان الخطاب نزل على المكلفين مباشرة وهم موجودون يسمى تعلقا تنجيزيا. وتعلقه بالمعدومين بشرط وجودهم مستكملين لشروط التكليف يسمى تعلقا معنويا. إذن التعلق نوعان تنجيزي ومعنوي. هذا ماذا؟ تعريف الحكم الشرعي عند الفقهاء: مدلول خطاب الشرع.