الأول: أن بعض المكلفين غير موجود وقت الخطاب، وقت تنزل القرآن بعض المكلفين غير موجود، بل هو معدوم وخطاب المعدوم محال، لأنه ليس بشيء، المعدوم ليس بشيء، حينئذ كيف يخاطب؟ بعض المكلفين غير موجود وقت الخطاب، يعني إذا نزل قرآن بأمر أو نهي " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة "، المخاطب به من؟ وقت التنزيل المخاطب به الصحابة رضي الله عنهم، إذن الصحابة مكلفون، هل هم كل المكلفين من أول الدنيا إلى آخرها؟ لا، ليسوا كل المكلفين، غذن هم بعض المكلفين، نزل القرآن وخاطب الرب جل وعلا الصحابة بقوله " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة "، إذن بعض المكلفين حين التنزيل كان موجودا ولا إشكال أن الحكم كان متعلقا بهم، لكن انقرض عهد الصحابة وجاء بعدهم التابعون وبعدهم إلى يومنا إلى أن تقوم الساعة، هؤلاء مكلفون أم لا؟ إن قلتَ: مكلفون، فحينئذ لا يشملهم الخطاب لأنهم لم يثخاطبوا، لأن معنى الخطاب إلى الغير، أن يكون مباشرة، هذا الأصل فيه في لغة العرب، فحينئذ كيف يكون الخطاب الأول الموجه للصحابة، يكون موجها للصحابة وهم موجودون، وشاملا لمن يأتي بعدهم؟! فبعض الأصوليين أراد أن يأتي بحد جامع للصحابة ولغيرهم، لماذ؟ لأن الخطاب كما يشمل الموجود كذلك يشمل المعدوم، لكن بشرطه كما سيأتي. هذا أولا: أن بعض المكلفين غير موجودين في وقت الخطاب وقت تنزيل القرآن. والمعدوم ليس بشيء فحينئذ كيف يخاطب؟ ونريد في الحد حد الحكم الشرعي الجامع للموجودين ولغيرهم بحد واحد منضبط؟ فاضطربت كلمتهم.
السبب الثاني: أن الأصوليين أكثرهم في باب المعتقد لم يكونوا جميعا على عقيدة الأشاعرة والكلابية والمعتزلة إلى آخره، بعضهم ينكر لكلام كلام الرب جل وعلا ويقول بأن هذا القرآن مخلوق، وبعضهم يثبت الكلام النفسي كالأشاعرة والكلابية، فحينئذ كلام الرب جل وعلا وهو خطابه الذي هو الحكم الشرعي عند الأصوليين، هذا معنى قائم بالنفس مجرد عن الصيغة. بسبب هذين الأمرين اضطربت واختلفت كلمة الأصوليين في حقيقة الحد. وسيأتي في موضعه إن شاء الله في (باب الأمر) إثبات فساد كلام الأشاعرة في إثبات الكلام النفسي.
إذن عرفنا أن المصنف هنا – رحمه الله – حكم على كثير من الحدود بأنها مضطربة، وهو جاء بحد يرى أنه أسلم الحدود، وهو فيه نوع اضطراب وإيهام أيضا. قال إنه (قضاء الشارع على المعلوم بأمر ما نطقا أو استنباطا). (أنه) أي الحكم في الاصطلاح عند الأصوليين (قضاء الشارع على المعلوم بأمر ما نطقا أو استنباطا).