أنواع العلم بأسماء الله وصفاته وبيان معناها وذكر الأدلة

قوله: (ويكلون علمه إلى الله) وعلم أسماء الله وصفاته على نوعين: النوع الأول: إثبات الحقائق كما يليق بجلال الله، فهذا لابد أن يعتقد ولا يفوّض.

النوع الثاني وهو الذي قصده الصابوني هنا في قوله: (ويكلون علمه): وهو الكيفيات، ليس المقصود بالعلم الحقيقة هنا، المقصود بالعلم هنا الكيفية، فالسلف يكلون حقيقة أسماء الله وصفاته وأفعاله إلى الله عز وجل، والمراد كيفياتها، أما حقيقتها التي هي معانيها الثابتة فليست محل إشكال ولا توقف؛ لأن الله خاطبنا بها بلسان عربي مبين، والله عز وجل خاطبنا بها لنعتقدها له سبحانه، ولنعتقد له الكمال من خلالها.

فمن هنا لابد أن يفهم في هذه العبارة وما يشبهها على ألسنة السلف -وهي كثيرة- أن قولهم: (ويكلون علمه إلى الله) ليس المقصود تفويض الأمر بلا إثبات، وليس المقصود التوقف بلا إثبات، وليس المقصود التأويل، إنما المقصود الكيفيات، فالكيفيات لا يعلمها إلا الله عز وجل، فتكون من باب الأمور الغيبية التي يوكل علمها إلى الله.

قال رحمه الله تعالى: [ويقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:7] كما أخبر الله تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يقولون ذلك، ورضي منهم فأثنى عليهم به.

أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي حدثنا محمد بن داود بن سليمان الزاهد أخبرني علي بن محمد بن عبيد أبو الحسن الحافظ من أصله العتيق حدثنا أبو يحيى بن كبيسة الوراق حدثنا محمد بن الأشرس الوراق أبو كنانة حدثنا أبو المغيرة الحنفي حدثنا قرة بن خالد عن الحسن عن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] قالت: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر.

وحدثنا أبو الحسن بن إسحاق المدني حدثنا أحمد بن الخضر أبو الحسن الشافعي حدثنا شاذان حدثنا ابن مخلد بن يزيد القهستاني حدثنا جعفر بن ميمون قال: سئل مالك بن أنس عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا ضالاً، وأَمر به أن يُخرج من مجلسه].

هذه الكلمات تمثل قواعد أيضاً عند السلف، ولا تزال هي القواعد التي يرد بها على المؤولة؛ لأنها محكمة من كل وجه، وهي عصارة فهم السلف لمقتضى النصوص، فهذا التقعيد للإثبات هو خلاصة مقتضى نصوص الشرع الواردة في الكتاب والسنة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، وذكرت على عدة وجوه كلها متشابهة ومتقابلة، فالكلام الذي نسب إلى أم سلمة سواء ثبت عنها أو لم يثبت هو قواعد صحيحة ذهبية ميّزت منهج السلف عن غيرهم في هذا الأمر في صفة الاستواء وفي غيرها، فهذه قاعدة تقال في جميع الصفات، فيقال: الاستواء غير مجهول، ويقال: النزول غير مجهول، ويقال: المجيء غير مجهول، ويقال: الغضب لله عز وجل غير مجهول، وهو كما يليق بجلاله، وهكذا بقية الصفات، والكيف غير معقول فالاستواء أو غيره من الصفات يقال: إنه غير مجهول، بمعنى أنه عُلم بخبر الله تعالى وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أولاً، وثانياً: عُلم بأنه حقيقة لله عز وجل على ما يليق بجلاله، فهو غير مجهول لدى المخاطبين لا سيما أن المخاطب المؤمن إذا سمع كلام الله عز وجل في صفاته أو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفات الله أثبتها لأول وهلة على الحقيقة، ثم زال عنه التشبيه باستشعار القاعدة الأخرى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، فلابد من استشعار هذا المعنى دائماً، وإثبات الصفة لله عز وجل على الحقيقة؛ لأنا خوطبنا بحقائق نعلمها، لكن الكيفيات المعلومة في المخلوقات منفية عن الله عز وجل، فتثبت الصفات لله عز وجل مع نفي التشبيه والمماثلة.

إذاً: فالاستواء غير مجهول، بمعنى: أن له حقيقة، هذه الحقيقة هي بالنسبة للمخلوقات لها معنى ناقص، وبالنسبة لله عز وجل لها معنى كامل، فاستواء الله عز وجل يناسب كماله وهو غير مجهول.

وكذلك الكيف غير معقول، بمعنى: أن العقول لا تدرك الكيفيات، وليس بأنه غير معقول لا تؤمن به العقول، بل هنا غير معقول، بمعنى: لا تدركه العقول على جهة الكيفية، وبعض الناس فهمهم غلط، وكثير من المؤولة استندوا إلى هذه المسألة وجعلوها وسيلة للتأويل إلى هذه العبارة، خاصة متأخرة الأشاعرة والماتريدية، ففسروا كلمة (الكيف غير معقول) بأن معنى ذلك أن ظواهر أسماء الله وصفاته غير معقولة، وغير معروفة الحقيقة، أو لا يؤمن بحقائقها، فلجئوا إلى التأويل، أما السلف فمقصودهم بغير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015